هل تعرف آدم؟

إذا كنت من أهل القاهرة أو لو أنك تداوم على زيارتها فلا بد أنك تعرف آدم. مين آدم ده؟ رد فعل أراه ارتسم على وجهك. دعني أحكي لك عن آدم لأنني إذا لم أفعل فعلى الأرجح أنك لن تسمع عنه أبدا. آدم هو شخصية تخيلية لطفل صغير جرى تطويرها في إطار حملة نظمتها محافظة القاهرة. هدف الحملة هو حث الناس على النظافة والامتناع عن إلقاء المخلفات في الشارع وسلوكيات إيجابية أخرى، وآدم هو الرمز الذي اختارته محافظة القاهرة لكل السلوكيات الإيجابية. الهدف جميل ومطلوب، لكن الفكرة وتنفيذها غير موفق بالمرة، والدليل هو أن أغلبنا لا يعرف آدم أو يسمع به، رغم أن حملة آدم بدأت منذ ما يقرب من العام في يناير 2018.

لو فتحت عينيك جيدا فسوف ترى لافتات حملة آدم مرفوعة هنا وهناك في شوارع القاهرة. بعض هذه اللافتات كبير جدا بطول يزيد على العشرة أمتار وعرض يزيد على الأربعة أمتار، وهي اللافتات التي تكفلت بإقامتها شركات المقاولات العاملة في المدينة، على سبيل الدعاية لنفسها ومجاملة موظفي المحافظة. إذا لم تجذب كل هذه اللافتات نظرك فتأكد أن العيب ليس فيك، وإنما العيب في تصميم اللافتات الذي جاء خاليا من أي لمسة جمال، أو من ألوان زاهية ملفتة؛ فالأمر لا يزيد على مساحة كبيرة من اللون الأزرق الداكن، كتب فيها باللون الأبيض "خليك زي آدم"، وكأن آدم هذا شخصية عامة معروفة للكافة، الذين لم يصبح مطلوبا منهم سوى أن يقلدوا آدم بطلهم المحبوب.

إذا دققت النظر في اللافتات الكبيرة ستجد في الجانب العلوي جهة اليسار مستطيلا بلون أزرق أيضا لكنه داكن بدرجة أكثر من بقية اللافتة. حتى شهور قليلة كانت صورة المحافظ السابق عاطف عبدالحميد تشغل هذه المساحة، دون أي إشارة إلى هوية صاحب الصورة، حتى أن بعض الناس ظنوا أن الشخص الظاهر في الصورة هو نفسه آدم المقصود بعبارة "خليك زي آدم".

لقد تم طمس صورة المحافظ السابق بعد حركة المحافظين الأخيرة، والحمد لله أن صورة المحافظ الجديد لم تحل محلها.

"خليك زي آدم" له صفحة فيس بوك داخل صفحة محافظة القاهرة، وبقدر ما صفحة محافظة القاهرة جذابة مبهجة، فإن صفحة "خليك زي آدم" هي أيضا مفعمة بالحيوية والبهجة.

طبعا واضح أنني أسخر بأدب؛ فصفحة آدم، مثلها مثل صفحة المحافظة، لا تضم سوى نصوص وصور ذات طابع بيروقراطي سمج، خالية من أي تشويق أو جمال أو إثارة للخيال.

محافظ القاهرة الجديد غير مهتم بمتابعة مشروع "خليك زي آدم"، فالرجل لم يشارك في أي نشاط له صلة بالمشروع منذ توليه مهام منصبه قبل ثلاثة شهور. الأكثر من هذا أن أنشطة الحملة قد توقفت شهورا قبل أن يغادر المحافظ السابق منصبه، فأحدث الأنشطة التي تظهر على الصفحة ترجع إلى شهر مارس الماضي، كما لو أن أصحاب الحملة قد تخلوا عنها بعد أسابيع قليلة من إطلاقها.

الشيء الجيد في كل هذا هو أن موظفي المحافظة فكروا في تنظيم حملة تسهم في تحسين سلوك المواطنين؛ لكن للأسف كل شيء آخر بعد هذا التفكير كان خاطئا، والسبب في ذلك هو أنهم أرادوا القيام بكل شيء بأنفسهم، وفاتهم أن يلاحظوا أن الطريقة التي يعمل بها العقل البيروقراطي ومؤسسات الحكومة لا تناسب مثل هذه المشاريع.

ففي مجال التصميم لا بد من الاستعانة بفنانين تشكيليين وأخصائيين في الدعاية وباحثين في الأنثروبولوجيا والاجتماع، فهؤلاء أقدر على تصميم الرسالة وصياغتها واختيار رموزها وألوانها بما يلائم ثقافة الناس وعاداتهم. أما من ناحية التنفيذ فلا بد من الاستعانة بالمجتمع المدني والجمعيات الأهلية في أحياء القاهرة المختلفة، ليكونوا شركاء في الحملة بدءا من مرحلة تطوير الفكرة، وصولا لتولي المسؤولية عن مرحلة الترويج وتنظيم الأنشطة، حتى تكون الحملة أقرب للناس، ومتحررة من الرسميات ثقيلة الدم.

 

التعليقات