زيارة إلى داغستان

 (1)

الرحلة إلى منطقة القوقاز تستدعى الكثير من الصور والأفكار.. إنها بلاد الجبال والتاريخ.. الإسلام والإمبراطوريات.. الحروب والثقافات.

لطالما قرأتُ عن بلاد القوقاز.. ولطالما تمنيتُ زيارتها.. أنْ أرى بعضاً ممّا قرأت.. أنْ أنتقل من صفحات الكتب إلى واقع الجغرافيا.. من جمود الزمان إلى حيويّة المكان.

أخيراً.. وجدتُ نفسى فى بلاد القوقاز.. هناك عند شاطئ بحر قزوين.. جمهورية داغستان. تلقيتُ دعوة كريمة من «مجموعة الرؤية الاستراتيجية - روسيا العالم الإسلامى» وهى مجموعة تفكير رفيعة المستوى تعنى بالعلاقات الروسية مع العالم الإسلامى، ويترأسها السيد «رستم مينيخانوف»، رئيس جمهورية تتارستان.

(2)

إن جمهورية داغستان هى إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية.. تزيد مساحتها على مساحة سويسرا، ويصل عدد سكانها إلى ثلاثة ملايين نسمة.. وعند حدودها تقع جورجيا وأذربيجان.

تقع داغستان على بحر قزوين.. سهل محدود على البحر.. ثم تبدأ سلاسل الجبال. إن كلمة «داغستان» ترجمتها «بلد الجبال»، حيث تحتل جبال القوقاز ثلاثة أرباع مساحتها تقريباً.

فى ذلك السهل الساحلى الخلّاب زُرتُ -مع وفود الدول المشاركة- مدينة «محج قلعة»، عاصمة داغستان ومدينة «دربند» التاريخية وقلعتها الشهيرة.. حيث استمعنا إلى موجز تاريخ ألفى عام من الحرب والسلام.

فى داغستان يدين أغلب السكان بالإسلام.. وفى كل صلاة تسمع الأذان وكأنّك فى القاهرة. زُرنا دار الإفتاء، والتقينا فضيلة مفتى داغستان الشيخ أحمد عبداللطيف.. كما زُرنا معهداً لتحفيظ القرآن الكريم.. يأتيه الطلاب من جمهوريات القوقاز.. وفى «دربند» صلّينا فى مسجدها التاريخى.. الذى يُعد أقدم مسجد فى روسيا الاتحادية.

ضمَّ لقاء داغستان شخصيات بارزة من الدول الإسلامية.. وكان من بين المشاركين السفير عزت سعد، مدير المجلس المصرى للشئون الخارجية وسفير مصر الأسبق فى روسيا، والدكتور على النعيمى رئيس المجلس العالمى للمجتمعات المسلمة، والدكتور مصطفى البرغوثى السياسى الفلسطينى المعروف، والدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام الأسبق لمنظمة التعاون الإسلامى.. وقد أتيحت لى الفرصة للقاء عدد من شخصيات القوقاز البارزة: رئيس برلمان الشيشان، ومستشار رئيس جمهورية أنغوشيا.. ونخبة من المستشرقين الروس.

(3)

ازدادت المكانة الاستراتيجية لداغستان فى عام 2018.. حيث تقرر نقل مقر أسطول بحر قزوين الروسى إليها. كان مقر الأسطول فى مدية «باكو» فى أذربيجان، وبعد تفكّك الاتحاد السوفيتى واستقلال أذربيجان، انتقل الأسطول إلى «أستراخان» فى عام 1992.. ثم جرى نقل مقر الأسطول فى عام 2018 إلى مدينة «كاسبيسك» فى داغستان.

وحسب تصريح وزير الدفاع الروسى «سيرجى شويغو».. فإن إعادة تمركز أسطول بحر قزوين فى داغستان يعود إلى أن المقر الجديد أكثر استراتيجية من المقر القديم. يتوازى مع ذلك اكتشافات الذهب الكبيرة فى داغستان.. حيث تُقدر الحكومة الروسية احتياطات مناجم داغستان بأكثر من (130) طناً من الذهب. وهو ما يعزِّز السياسة الروسية الرامية إلى زيادة احتياطياتها من الذهب.. بعد أن أصبح البنك المركزى الروسى يملك احتياطيات ذهب تحتل المركز الخامس على مستوى العالم.

(4)

أثناء زيارتى.. استمعتُ إلى السيد «فلاديمير فاسيلييف» رئيس جمهورية داغستان.. الذى تحدَّث عن السلام بين عشرات القوميات واللغات فى بلاده. وهو ما سمعته مرة أخرى من السيد «رستم مينيخانوف» رئيس جمهورية تتارستان، الذى تحدّث فى نفس السياق.

فى داغستان، شهدت السنوات الأخيرة عدداً من العمليات الإرهابية.. ويحاول تنظيم «داعش داغستان» أن يقوِّض حالة الأمن والسلام فى المجتمع الداغستانى المسلم.

إن داغستان، التى يدين قرابة (90%) من سكانها بالإسلام.. يتحدّث المسلمون فيها أكثر من ثلاثين لغة.. وفى كل لغة عدد من اللهجات. إن التسامح هو ما جعل من داغستان مكاناً ساحراً. يريد المتطرّفون أن يشرعوا فى رحلة جديدة من الدم. لكن الداغستانيين يدركون أن طريق التطرف هو طريق اللاوجود.. وأنَّه من دون الأمن والسلام لا يمكن أن توجد داغستان.

تتأكد أُمَّتنا كل يوم.. أن التطرف هو الطابور الخامس فى الإسلام، وأن الإرهاب هو القنبلة النووية الجديدة لإبادة المسلمين.

قولاً واحداً: الاعتدال يساوى الحياة.

 

التعليقات