فرنسا بين مطرقة اليمين الشعبوى و اليسار المتطرف‎

يري أغلبية الشعب الفرنسي أن الرئيس إيمانويل ماكرون حاد عن وعوده الانتخابية و التي كانت في مقدمتها فرض سياسة تقشف إصلاحية و قد قام بفرض ضرائب علي المحروقات و خاصة الديزل و الذي يعد الوقود الشعبي في فرنسا و قد ادعى أنه قام بذلك للضغط علي الفرنسيين للاتجاه الي استخدام سيارات أقل ضررا على البيئة مثل السيارات الكهربائية و هذا واضح  في حرصه و خطابه الدائم عن المحافظة على البيئة و التصدي لظاهرة الاحتباس الحراري و قد بدأت الاحتجاجات بمواطنين عاديين دون أي إنتماءات سياسية الا انه بعد ساعات اتسعت التظاهرات من حيث عدد المشاركين فيها و نوعهم و انتشرت في مدن أخرى غير باريس العاصمة و على الفور ركبت هذه الاحتجاجات مجموعات من اليمين الشعبوى و اليسار المتطرف دون الإعلان عن ذلك و قد نفت الأحزاب اي علاقة بجماعات العنف و لكن قامت المجموعات المحتجة بتسمية نفسها أصحاب السترات الصفراء و قد رفعت سقف مطالبها من إلغاء ضرائب المحروقات الجديدة الي كلمة ارحل يا ماكرون بل طالبت بحل مجلس النواب.
أما وزير الداخلية الفرنسي فقد قام بإلقاء الاتهامات على اليمين المتطرف و خاصة زعيمته مارين لوبان بالرغم من إدانتها لأعمال العنف و رد الاتهامات لوزير الداخلية بأنه ضعيف لم يستطع السيطرة علي العنف خاصة عدم قدرته علي منع  الدمار الذي لحق بأهم شارع في باريس و هو شارع الشانزليزيه.
و يبدو أن ماكرون أخفق في سياساته التقشفية حيث اعتبر المحتجون سياساته تصب في صالح الطبقات الغنية وتزيد من أعباء الطبقات المتوسطة والفقيرة داخل المجتمع الفرنسي.
في رأيي ماكرون أصبح في مأزق حقيقي لأنه إن لم يتراجع عن سياساته فسيفقد شعبيته بالكامل لصالح اليمين الشعبوى  المتطرف و ان تراجع فسيخسر أيضا لأنه بذلك سيكون قد أفرغ مضمون برنامجه السياسي الذي اصلا انتخب على أساسه.
فرنسا في خطر و اليمين المتطرف الشعبوى سيكون في تصاعد ليس فقط في فرنسا بل في معظم أوروبا و هذا في حد ذاته تهديد وجودي للاتحاد الأوروبي المهدد اصلا بعد ظهور نعرات القومية المحلية لليمين المتطرف في دول عديدة و طبعا علي رأسها الضربة القاسمة التي تلقاها الاتحاد الأوروبي بعد قرار الشعب البريطاني بالخروج من الاتحاد ثم وصول أحزاب اليمين الي سدة الحكم في إيطاليا و المجر و حصول حزب اليمين المتطرف الألماني علي مقاعد ليست بالقليلة في ألمانيا بعد تراجع حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كل هذا يصب في صالح مشهد أوروبي مرتبك قد ينتج عنه منتج سياسي خطير لا نعرف مدي تأثيره علي النظام الدولي الجديد الذي يتشكل بدخول طرف جديد اسمه الصين سيكون له كلمة مسموعة قريبا.

 

التعليقات