المصلحة من المصالحة!

لم تُسفر قمة الخليج عن مصالحة بين دول المقاطعة، كما تخيل البعض.. فالذين توهموا أن أمراً صدر من البيت الأبيض لدعوة قطر، أنه قرار فوقى بالمصالحة، وأن مياه الخليج قد تعود لمجاريها، لم يضعوا فى اعتبارهم احتمالاً واحداً أن أمر المصالحة ليس من مصلحة واشنطن، ولا من مصلحة طهران، ولا مصلحة أنقرة، وبالتالى تم «تجميد» الأوضاع فقط!

هلل كثيرون حينما دعا الملك سلمان «أمير قطر» إلى قمة مجلس التعاون.. وراحت التفسيرات فى كل اتجاه.. فمن يقول إن المصالحة كانت قرارا ًفى البيت الأبيض.. ومن يقول إن مصر سوف تمضى فى ركاب المصالحة تبعاً للرياض.. ولكن كان وزير الخارجية سامح شكرى واثقاً أن شيئاً من ذلك لن يحدث، وأن الشروط التى وضعتها «الراعية العربية» لم تحل أولاً!

وكانت المفاجأة فى رد قطر الذى أشعل وسائل التواصل الاجتماعى، وأثار حفيظة المعلقين من دول الخليج أنفسهم، حين دفعت قطر بممثل لها فى حجم وزير دولة، لم يظهر فى الكاميرات التى تغطى القمة أبداً.. ولكنه كان جملة عابرة فى التغطيات الإعلامية.. فقد كان مثار غضب عارم من المحللين.. وكأنهم كانوا ينتظرون «قمة التفاؤل» بحضور الأمير تميم شخصياً!

والمثير للانتباه فعلاً أن تميم كان يتصرف أيضاً تحت تأثير ضغوط تركية إيرانية وصمت أمريكى.. فالذين دقوا «الإسفين» فى العلاقات العربية، هم أنفسهم الذين أوقدوا النار فى مجلس التعاون، فبدت القمة تتحدث لأول مرة عن خلافات فى الرؤية تارة من الكويت، وأخرى من سلطنة عمان.. لكن بقيت المشكلة الأكبر فى قطر، فماذا بقى من مجلس التعاون الخليجى الآن؟!

السؤال: هل كانت مصر تعرف أن «تميم» لن يذهب وأن المصالحة لن تتم دون قيد أو شرط؟.. هل كانت تعرف أن المياه تعكرت إلى الحد الذى لا يمكن معه العودة دون تغيير فى السياسات وإعلان التوبة النصوح؟.. وهل كانت مصر تعرف أن الذى دق الإسفين كان أحرص على هذا التشرذم أكثر من أى أحد آخر؟.. هل كانت تعرف أن الدعوة شىء والحضور شىء آخر؟!

وأغلب الظن أن مصر كانت تعرف أن «أمير الشر» سوف تأخذه العزة بالإثم، وأنه قد يرسل بمبعوث على قدر مجلس وزارى، وليس قمة أمراء وملوك.. وأغلب الظن أنها كانت تعرف أن اللعبة قد تعقدت مثل بكرة الخيط.. سواء من ناحية قطر والإمارات بعد حملات التلاسن، أو بين الرياض وقطر بعد مقتل «خاشقجى» فضلاً عن «رضوخ قطر» لتدخلات أجنبية!

باختصار، دعوة الملك سلمان لم تحمل فى طياتها «مصالحة على بياض».. ولم تكن تتوسل إلى قطر فى لم الشمل.. كانت تضع الأمر أمام شعوب الخليج.. وكانت فاضحة لتصرفات قطر.. فهى مازالت عضواً بمجلس التعاون ظاهرياً، لكنها فى حلف أنقرة وطهران فى الواقع!

التعليقات