شهادة حق للديمقراطية

رشيدة طالب، إلهان عمر، وسنان سيلين؛ ثلاث شهادات في حق الديمقراطية الليبرالية الغربية آثم من كتمها. رشيدة طالب، أمريكية مسلمة من أصل فلسطيني، وصل أبواها لمدينة ديترويت الأمريكية في مطلع السبعينيات، قادمين من الضفة الغربية المحتلة. في عام 2008، وعندما كان عمرها 32 عاما، تم انتخاب رشيدة طالب لعضوية مجلس نواب ولاية ميتشجان، وفي عام 2018 تم انتخابها لعضوية مجلس النواب الأمريكي عن إحدى دوائر نفس الولاية. إلهان عمر، أمريكية مسلمة، وصلت للولايات المتحدة قادمة من الصومال الذي مزقه العنف السياسي والديني، بعد أن قضت خمس سنوات في مخيم للاجئين الصوماليين في كينيا. في عام 2016 تم انتخاب إلهان عمر لمجلس نواب ولاية مينيسوتا، ليعيد الناخبون في نوفمبر الماضي اختيارها، لكن هذه المرة لمجلس نواب الولايات المتحدة الأمريكية.

سنان سيلين هو مواطن ألماني من أصل تركي مولود في إسطنبول. في نوفمبر الماضي تم تعيين سنان سيلين نائبا لرئيس المكتب الاتحادي لحماية الدستور، وهو الجهاز المكلف بملاحقة الإرهابيين والجماعات المتطرفة والعنصرية؛ أي أنه المقابل الألماني لمكتب التحقيقات الفيدرالي في أمريكا، ولجهاز الأمن الداخلي في بلاد كثيرة أخرى.

نجاح رشيدة وإلهان يشهد لسيدتين رائعتين من بلاد العرب والمسلمين، واختيار سنان سيلين للمنصب الرفيع يشهد لكفاءة المهاجرين المسلمين وأبنائهم. لكن الشهادة الأكبر هي للنظام الديمقراطي الليبرالي في الولايات المتحدة وألمانيا الذي أتاح الفرصة لأبناء مهاجرين بسطاء ليكونوا جزءا من أعلى سلطة تشريعية في الولايات المتحدة، ومن أهم جهاز أمن في ألمانيا، فلولا ما تقوم عليه الديمقراطية الليبرالية من إعلاء لقيمة الإنسانية، ومن اعتراف بحقوق الأفراد بغض النظر عن خلفياتهم، ومن التأكيد على الكفاءة معيارًا وحيدًا للتقدم، ولولا قدرة الثقافة الليبرالية الغربية على دمج الغرباء واستيعابهم، لولا كل هذا ما كان لرشيدة وإلهان وسنان أن يحققوا هذه الإنجازات.

الديمقراطية الليبرالية ليست نظاما مثاليا للحكم، إذ لا يوجد نظام حكم مثالي خالٍ من العيوب؛ ولا هي نظام الحكم الصالح لكل زمان ومكان، فالديمقراطية لها شروطها التي تتوافر في بعض البلاد، ولا تتوافر في بلاد أخرى. لكن الديمقراطية الليبرالية هي نظام يستطيع دمج وتمثيل أكبر قدر من السكان، ويوفر الشروط لممارسة السلطة بأقل قدر من العنف والقهر. سيبقى القهر موجودا طالما بقيت هناك سلطة، لكن القهر الذي تمارسه النظم الديمقراطية هو أقل بكثير من القهر الذي تمارسه النظم غير الديمقراطية.

لكن الديمقراطية الليبرالية تواجه أزمة كبيرة في عصرنا هذا، وما الانقسامات والصراعات السياسية المتزايدة التي نراها في بلاد الغرب سوى انعكاس لذلك، وهي صراعات تدور حول ما إذا كان لأشخاص مثل رشيدة وإلهان وسنان الحق في أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه، أم أنهم بهذا يتغولون على امتيازات لا يحق لأي قادم جديد من المهاجرين واللاجئين الحصول عليها. إنه خلاف حول ما إذا كانت الديمقراطية الغربية قد أصبحت ليبرالية بأكثر مما ينبغي، وهو انقسام سيبقى يؤرق الديمقراطيات الغربية ويهز استقرارها لسنوات قادمة.
أما بالنسبة لنا هنا في بلاد العرب، فرغم أن الديمقراطية الليبرالية تمثل رفاهية لا تقوى مجتمعاتنا عليها، فإن ازدهار الديمقراطية الليبرالية في موطنها الأصلي في الغرب يوفر مصدرا مهما للإلهام الفكري والثقافي تحتاجه مجتمعاتنا في مسيرتها الطويلة نحو التقدم.

 

التعليقات