زيارة إلى صحيفة «يوميورى شيمبون» اليابانية

لم يكن بمقدورى زيارة اليابان من دون زيارة صحيفة «يوميورى شيمبون» المرموقة فى العاصمة طوكيو. لقد تفضلت سفارة اليابان فى القاهرة وساعدتْ فى أن أكون ضيفاً على الصحيفة الأكثر توزيعاً فى العالم.

إن مؤسسة «يوميورى شيمبون» تضم صحفاً ومجلات ومطابع، كما تضم محطة تليفزيون «نيهون»، وفريق بيسبول، ومدينة ألعاب. وفى منطقة راقية بالعاصمة طوكيو ترتفع «يوميورى شيمبون» لمسافة (33) طابقاً.. يقع متحف الصحيفة فى الطابق الأول، وتقع صالة التحرير فى الطابق العاشر.. وبعد الطابق العشرين قامت الصحيفة بإيجار باقى الطوابق لشركات ومؤسسات أخرى.

قال لى السيد «ساسومو آراى» وهو يشير إلى شهادة «موسوعة جينيس» للأرقام القياسية: هذه شهادة حصلت عليها صحيفتنا فى عام 1994 حين كنّا أول صحيفة يتجاوز توزيعها العشرة ملايين نسخة. قلت لمضيفى: أنا أعرف أنكم تجاوزتم حاجز الأربعة عشر مليون نسخة فيما بعد.. من حقكم أن تفخروا بصحيفتكم ومؤسستكم.

اصطحبنى مسئولون فى الصحيفة إلى الطابق العاشر.. حيث شاهدت صالة التحرير العملاقة.. وحيث يعكف مئات الصحفيين على المنافسة الشديدة على مدار الساعة. يعمل فى صحيفة «يوميورى شيمبون» خمسة آلاف موظف منهم (2500) من الصحفيين.. وتتجاوز مبيعات نسخ الصحيفة الستة مليارات دولار سنوياً.. وهو رقم كبير للغاية.. لا تعرفه أى صحيفة فى العالم.

على مدار ساعة فى قاعة أنيقة قرب صالة التحرير.. التقيت كبير الباحثين فى «يوميورى شيمبون».. وقد عمل لفترات سابقة فى القاهرة ونيويورك وطهران.. وطوكيو.

قلتُ لكبير الباحثين «ميشيرو أوكاموتو»: لا تزال صحيفتكم قادرة على إبهار الصحافة العالمية بكاملها.. ذلك أن صمود «يوميورى شيمبون» فى مواجهة تسونامى «الفيس بوك».. هو صمود جدير بالاهتمام والاحترام.

إن من سوء حظنا فى العالم العربى أن «الفيس بوك» بات يحكم الصحافة.. وليس العكس. وأصبحت معرفة أغلب الناس تأتى من ذلك الكيان الضخم والخالى من الجديّة والمسئولية. إن صحفنا وصحفاً أخرى حول العالم تواجه الانهيار.. لقد نجح «الفيس بوك» فى أن يكون أكبر صحيفة مجانية على سطح الكوكب.

قال لى السيد «ميشيرو أوكاموتو»: إن اليابانيين يتلقون المعلومات من الصحف وليس «الفيس بوك». و«الفيس بوك» يأخذ من الصحف وليس العكس. وملايين القراء لنا لم يؤثر عليهم هذا التطور بقدر ما أثَّر حول العالم. إن لدى «يوميورى شيمبون» أكثر من (7000) بائع متجوّل للصحيفة. توجد أكشاك توزيع صحفنا فى كل مكان، وتغطى مكاتبنا كل الإمبراطورية اليابانية. إننا نتفهم بالطبع تطورات الصحافة الإلكترونية، ونحن نطوِّر مساراتنا على الصعيديّن: الورقى والإلكترونى. ونفكر دوماً فى تحديات «الفيس بوك» ووسائل التواصل المجانية فى عالم اليوم.

يعمل السيد «أوكاموتو» فى مجال الدراسات الاستراتيجية.. ويكتب دراسات معمَّقة فى الشئون الأمريكية والغربية، وكذلك قضايا الشرق الأوسط. وتتضمن صحيفة «يوميورى شيمبون» عموداً أسبوعياً شهيراً بعنوان: «نظرة على العالم».. كان يكتب فيه السياسى الأمريكى هنرى كيسنجر والكاتب المصرى محمد حسنين هيكل.. والأستاذ هيكل هو الكاتب العربى الوحيد الذى كتب فى صحيفة «يوميورى شيمبون».. وقد نشر سلسلة مقالاته فى هذا الباب فى كتابه الشهير «المقالات اليابانية». ولا يزال يكتب فى الباب ذاته عالم السياسة الأمريكى جوزيف ناى، والكاتب الأمريكى فرنسيس فوكوياما.. وحين قلت للسيد «أوكاموتو»: هل تعتبرون «فوكوياما» كاتباً أمريكياً أم يابانياً؟.. قال فى حسم: كاتب أمريكى بالطبع.. رغم أصله اليابانى.. إنَّه كاتب أمريكى فقط.. وليس كاتباً أمريكياً يابانياً.

أخذت تجربة «يوميورى شيمبون» وواقع الصحافة فى العالم جانباً كبيراً من نقاشنا.. لكن الجانب الأكبر كان بطبيعة الحال من نصيب السياسة: كوريا الشمالية والصين وروسيا، وكذلك الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.. كما ذهب الحديث إلى السعودية وإيران وتركيا.. من الارتباك الجيوسياسى فى الشرق الأقصى إلى الارتباك الجيوسياسى فى الشرق الأوسط.

لقد سعدت كثيراً بزيارة الصحيفة الأولى فى اليابان.. أولى التوزيع فى العالم.. وكم أتمنى أن تدرس نقابة الصحفيين المصرية واتحاد الصحفيين العرب وكذلك المؤسسات الصحفية فى بلادنا تلك المفارقة المثيرة: كيف تراجعت الصحافة عندنا؟.. وكيف حافظت على صدارتها فى اليابان؟

سأظل أحمل تقديراً واعتزازاً لأولئك الرائعين الذين التقيتهم فى صحيفة «يوميورى شيمبون» المرموقة.. أولئك الذين انتصروا بامتياز فى معركة البقاء.. وأصبح بمقدورهم أن يعطوا الصحف العالمية الإلهام والأمل.

التعليقات