رءوف عياد : " مرحبا بك في وطنك الثاني.."!..

بعد ثلاثة عشر عاما من رحيله ، في يناير ٢٠١٩ ، أعادت المحكمة الإدارية العليا إلي فنان الكاريكاتير ، رءوف عياد ، " جنسيته المصرية " التي كمن " شجنه "، في سحبها منه . رحل رءوف عام ٢٠٠٦ ، بعد عامين من صدور حكم من المحكمة الادارية ، بعدم أحقيته في الجنسية المصرية ، رغم كونه يحمل شهادة ميلاد مصرية ، وعمل بها في مؤسسة صحفية عريقة و تزوج بها من مصرية . حكاية اشبه بحواديت السينما .. ظل مصريا حتي تقدم باوراقه للحصول علي جواز سفر و رفضت وزارة الداخلية الطلب ، لعدم تمتعه بالجنسية المصرية ، مع انه ليس لديه أي جنسية أخري ، و لا حتي الجنسية السودانية علي الرغم من ميلاده بالسودان ! في مقتبل السبعينات ، حين التحقت بالعمل في مجلة صباح الخير ، و انا ما زلت في أول أعوامي الجامعية ، ، كان فنان الكاريكاتير "رءوف عياد" قد سبقني بعشر سنوات .. يشع حضوره بهجة أينما حل ، لكنها "بهجة" عصية علي الشرح .. كأنما تواري شجنا ، بعيدا، يطفو علي فترات ، يمتزج بنكتة ، أو كلمة ، أو تعليق . تزاملنا عقودا، أو بالأحري عشنا عقودا ، تظللنا "كرمة " للمهنة و للثقافة و الفنون بقوسها الواسع .. كرمة اسمها مجلة صباح الخير .. لم تكن " صباح الخير " مجرد مجلة ، تترجم اجتماعيا ، أفكارا شابة ، و تعبر عن العقول المتحررة ، كما اختارت لنفسها هذا المعني ، لكنها كانت "أتونا "يموج بالحس المصري الصادق ، و يكشف عنه ويكتشفه ، وكان رءوف عياد جزء من هذا الأتون .. واحد من الموجة الثانية ، التي تلت جيل المؤسسين العظام في بحر فن الكاريكاتير في صباح الخير . والبحر واحد و إن تعددت موجاته . بحر منحاز إلي الناس و أوجاعهم ، مطارد لفساد الذمم ، بحر هادر بأحلام لوطن عفي نظيف و عادل . لم أري وجه رءوف عياد، إلا و هو يشي بضحكة .. ضحكة تخصه و إن غرق فيها الجميع .. كان قادرا علي توليد "معان "من أي حوار عابر .. حتي السلام أو التحية ، و كانت "جملته الأشهر" و التي ارتبطت به في سنوات عمره الأخيرة ، مثيرة خليطا من التداعيات ، جملة :"مرحبا بيك في وطنك التاني مصر !"..لم يكن ينفذ الي المعني المراد غير من عرفوا بحكاية رءوف عياد أو بما صار يشبه " نكتة " من فصيل شر البلية ما يضحك ! رءوف عياد الذي " ينز" مصرية ، ليس مصريا ، و أنه قد صار منزوع الجنسية رسميا عام ١٩٩٨ ، اثناء عملية استخراج باسبور ، بعد ثمانية و خمسين عاما من عمره الذي لازمته فيه شهادة ميلاد مصرية ، و سته وثلاثين سنه من تعيينه في الاصدار المصري صباح الخير ، و عضوية نقابتي الصحفيين والتشكيليين المصريتين . كان جد رءوف مصريا، ولد بمصرعام ١٨٧٢، بإسنا ، ثم أوفدته الحكومة المصرية، كصراف ، الي السودان التي كانت جزء من مصر. في في السودان أنجب الجد ، ابنا هو والد رءوف ، و توفي عام ١٩٣٨. عمل والد رءوف بالسودان ، و كان مصريا لانه ولد بالسودان وهي جزء من مصر ، و أنجب رؤوف هناك ولما أحيل إلي المعاش ، عاد بأسرته إلي مصر ، إسنا تحديدا و طالبته الحكومة بإثبات مصريته و بتمتع والده بها في الفترة من ١٩١٤ و ١٩٢٩ .. سعي الرجل و جاء بشهادات عمد ومشايخ اسنا عن اسرته الاسناوية الممتدة ، تعب ، ثم رحل ، تاركا ابنا وحيدا هو رءوف الذي تعلم بحقوق عين شمس و التحق بالعمل بصباح الخير . لسنوات راح رءوف يسعي بالاوراق ليثبت انه يحمل شهادة ميلاد مصرية وان ابيه ولد بالسودان كمصري في ارض تابعة لمصر و عام ٢٠٠٤ فقد الامل في الاعتراف بمصريته ، بحكم المحكمة ! بعد ثلاثة عشر عاما قالت المحكمة الإدارية العليا برئاسة السيد المستشار أحمد أبو العزم كلمتها النهائية والحاسمة استنادا إلي المادة السادسة من قانون الجنسية الصادر عام ١٩٢٩.
قرأت الخبر و تصورت وجه رءوف عياد لو كان بيننا ، و كيف كان سيغرقنا في الصحك وهو يحكي انه المصري الوحيد ، الذي عاش يعامل باعتباره " بدون " ، تماما كما يعيش بعض الفئات في دول خليجية .. ربما ساعتها لم يكن ليبدأ كلامه وسلامه بمرحبا في وطنك التاني مصر ! رحمك الله يا رءوف .. علك الآن ، سعيد!

التعليقات