فنون القتال المعلوماتية

فاقت الأخبار المغلوطة الحد. وتعدت الشائعات كل حد. وطالت المعلومات المنقوصة والمشوهة والمفبركة الجميع دون تفرقة. ولأن الأخبار فى زمن فات كانت محدودة المصادر، والمعلومات كانت إما من صحيفة معروفة سواء برصانتها أو بتفاهتها، كان المتلقون قادرين بشكل أو بآخر على تحديد هوية المعلومات والتنبؤ بالغاية منها، إن كانت هناك غاية. لكن حتى الغايات تشابكت هذه الأيام، وصارت جهات ومؤسسات وأفراد، بل دول، تطلق أخبارًا مفبركة وشائعات موجهة. فبدءًا من حروب الدول والمؤسسات الموجهة ضد أخرى عبر نشرة أخبار أو فيلم فيديو أو فقرة تحليلية مثلما جرى فى أعقاب 30 يونيو 2013 من دول وأجهزة وأذرع إعلامية، مرورًا بتقارير تبدو للوهلة الأولى أنها مهنية ويُهيأ للمتلقى أنها موضوعية لكنها متخمة بالمفردات الملتوية ومكدسة بالعبارات ذات الإسقاطات والإيحاءات، وانتهاء بحرب الشائعات الشرسة ومهنة إنتاج الأخبار المفبركة وتدشين صفحات عنكبوتية منسوبة لأشخاص لا يعرفون عنها شيئًا.. نمضى قدمًا مثقلين بحرب معلوماتية دأب البعض على السخرية من مجرد وجودها.

سمها «حربًا إلكترونية»، أو انعتها بـ«حروب الجيل الرابع»، أو أطلق عليها ما شئت من أسماء، لكن ما نعيشه- ليس فقط فى مصر- من عالم معلوماتى مشوه مواز ينافس حروب الدم والدبابات ضراوة.

فى «القمة العالمية للحكومات» التى انعقدت فى دبى قبل أيام، وبينما الباحث والخبير فى أمن المعلومات السيد رودريجو بيجو يتحدث عن الحروب السيبرانية التى تشبه الحروب الحقيقية التى تعرفها الإنسانية، والقاعة المتخمة بالحضور تتابع ما يقول بقلق بالغ، تخيلت أن المتحدث مصرى والحدث مصرى، ورأيت أمام عينىّ كم السخرية التى كانت ستدور رحاها على أثير فيسبوك من قبل العالمين بالأمور، ما ظهر منها وما بطن، وسيل التشكيك على يد أصحاب التغريدات النارية والهاشتاجات الخزعبلية، وطوفان الهبد والرزع على أثير مجموعات «واتس آب»، حيث خبراء فى كل شىء من الإبرة للصاروخ. المسألة ليست مجرد اختراق لأجهزة كمبيوتر، بل هى غزو كامل لبُنى تحتية، وأثر مدمر عميق للواقعين الافتراضى والحقيقى.

ولفت انتباهى كثيرًا ما ذكره بيجو عن أن هذا الحجم من الذكاء فى الحرب، وتلك الكميات من المعلومات التى تخلط الحقيقة بالخيال، والمعلومة بالأكذوبة، وتشابك الخيوط لدرجة تجعل فصلها وتفنيدها أمرًا شبه مستحيل- لا يعنى إلا أن تكون دول وأجهزة كبرى ومؤسسات بكامل عدتها ضالعة فى هذا الخلط الجهنمى. ولم يسعنى سوى استدعاء سم الالتواءات المدسوس فى عسل التقارير الحقوقية الصادرة عن منظمات «رصينة»، وضلال الإفك فى روعة الصورة التليفزيونية على القناة ذات الشهرة العالمية، وغيرها من الفنون القتالية wفى الحروب المعلوماتية.

ملحوظة أخيرة: كل ما سبق لا يعنى أن تكون الوقاية عبر الإغلاق والتضييق، بل من خلال التعليم والتثقيف.

(المصري اليوم)

التعليقات