القاهرة تختنق

العاصمة تختنق، ليس لأنها واحدة من أزحم مدن العالم، وليس لأنها تضم عشرين مليوناً من السكان، وليس لأنها الأكثر تكدساً بين كل مدن الشرق الأوسط، وليس لأنها ثانى أزحم مدينة فى القارة الأفريقية، فكم من المدن غيرها فى قارات العالم تضم أعداداً مماثلة، وربما أكثر، وربما على مساحة أقل من محافظة القاهرة ومحافظة الجيزة مجتمعتين، أى القاهرة الكبرى، لكنها تختنق بشرايينها من الشوارع الرئيسية والجانبية التى تكاد تصاب بالانغلاق التام تحت وطأة وسائل المواصلات بكافة أشكلها وأحجامها وأنواعها التى لا يردعها قانون صارم للمرور ولا آداب معلومة للسير، ولا تنظمها لافتات تنظم حركة تلك المركبات ولا تلاحقها مخالفات مرورية يتم تطبيقها فى الحال دون إبطاء ودون مجاملات لوظائف بعينها ولاعتبارات المعرفة والمجاملة وربما الخوف من الاقتراب.

نظرة إلى الشوارع، القليل منها، بل النادر، به إشارات للمرور التى تتعدها السيارات بجرأة متناهية، حتى تحت عينى رجل الشرطة المنهك، والذى يبدو من مظهره أنه لا حول له ولا قوة، ومعظم الشوارع، حتى الرئيسية منها، لا تحوى تلك الإشارات، مع أن وجودها فى غاية الأهمية، حتى فى الشوارع الجانبية، ونظرة إلى كورنيش العاصمة وإحصاء سريع لإشارات المرور على تقاطعاته المختلفة تؤكد تلك الملاحظة، ناهيك عن التكاتك التى خرجت من جحورها لترتع بحرية متناهية على كورنيش النيل وتتوقف عند محطات البنزين لتحصل عليه بكل ثقة فى غيبة تامة من رجال المرور، وناهيك أيضاً عن جحافل الميكروباصات التى تسابق الجميع وتزاحم الجميع بسائقيها من المتهورين.

ومن الغريب أنه كلما تصاعدت الشكوى من حالة المرور فى العاصمة تتصاعد معها الدعوة إلى المطالبة بقانون جديد للمرور يغلظ العقوبات ويعددها، مع أن قوانين المرور الموجودة بالفعل كثيرة ومتعددة، لكنها غير مفعلة وغير مطبقة، والشوارع غير مؤهلة لتفعيل تلك القوانين، حيث لا إشارات ولا إرشادات ولا تحذيرات ولا كاميرات مراقبة ولا تواجد حقيقيا أو فعالا لرجال المرور ولا خطوط سير محددة للأتوبيسات ولا ممرات للمشاة، الموتوسيكلات تقفز على الأرصفة لتزاحم الناس الذين يفقدون أعصابهم كل يوم، بل كل دقيقة، وهم يصارعون للوصول إلى أعمالهم أو إلى بيوتهم، فما بالنا بسائح جاء إلينا كى ليزور العاصمة المصرية بكل مقتنياتها من الآثار والمتاحف وحتى المقاهى، فلا يكاد يصل إليها عبر ساعات طويلة من الزحام والتكدس واللا نظام وضياع الساعات فى الشوارع المختنقة.

قطعاً هناك حل، بل حلول كثيرة، رحمة بالعاصمة القديمة.

التعليقات