أميرة الشعراء في «أبو ظبي»!

أروع ما فى تلك المسابقة، أنها بقدر ما تقدم لنا متعة فكرية، بقدر ما تمتلك أيضا جماهيرية، سيطرت على اهتمامات الناس فى السنوات العشر الأخيرة برامج المسابقات، والتى يحتل فيها مشاهير دنيا الغناء والتمثيل مقاعد المحكمين، مما يحقق ولا شك رواجا إعلانيا، بينما فى (أمير الشعراء) الرهان يقف على الشاطئ الآخر، أثبت تراكم نجاح البرنامج أن للمحتوى الثقافى قدرة أيضا على جذب عين وفكر الناس.

(الشعر ديوان العرب) مقولة شهيرة، رغم أن البعض يستبدلها الآن، أحيانا بالرواية أو الفيلم، ليصبحا هما الديوان، الشعر مهما واجهه من معوقات لا يزال محافظا على مكانته، الذائقة العربية تنحاز إليه، وهى قادرة على أن تميز الغث والسمين.

ومن دولة الإمارات العربية المتحدة يأتى الرد القوى والمفحم مسابقة (أمير الشعراء)، التى تنظمها هيئة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بمدينة أبوظبى، ويشرف عليها بكل همة ونشاط عيسى المزروعى، نائب رئيس الهيئة، تحت رعاية (أُم الإمارات) سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك.

انطلقت تلك المسابقة عام 2007، قبل أن تكتظ سماء الفضائيات بهذا العدد الضخم من البرامج المتخصصة فى الغناء والتمثيل، ساهمت تلك البرامج مع الأسف فى زيادة مساحة (الشوفونية) والنعرات الإقليمية بين الشعوب العربية، بينما (أمير الشعراء) يمثل حالة نادرة من النقاء والشفافية، فهو ينشد فقط القيمة الأدبية والجمالية، تحت مظلة واحدة يتفق عليها الجميع، وهى الكلمة المفعمة بالألق والوهج، بعيدا عن جواز سفر المتسابق.

لقب (أمير الشعراء) التصق قبل 90 عاما بأحمد شوقى، فكان ينبغى بعد مرور كل هذه السنوات أن يتبادل على الإمارة آخرون، لا يستمر الأمير أميرا أكثر من عام، على ألا يتجاوز عمر المتسابق خمسة وأربعين عاما، وألا يقل عن ثمانية عشر عاما، وفى النهاية يحصل على مبلغ مليون درهم، ليُصبح فى نفس اللحظة أميرا ومليونيرا، هناك أيضا أربعة فائزين آخرين فى المراكز التالية.

لجنة التحكيم تتكون من ثلاث قامات فى الأدب العربى، وهم الأساتذة الدكاترة عبد الملك مرتاض (الجزائر) وعلى بن تميم (الإمارات) وصلاح فضل (مصر). من البديهى أن آراءهم تكفى، إلا أن تفاعل الجمهور بذائقة مختلفة من عشاق اللغة العربية وبأمزجة متباينة يمنح الجائزة قيمتين أكاديمية وشعبية، أداء الشاعر يلعب دورا مؤثرا فى وصول الجائزة إليه، وبالطبع كلما اتسعت الدائرة على ثقافات مختلفة يصبح تدخل الجمهور فى توجيه المسار صحيا وصحيحا، عدد النساء اللاتى وصلن لمشارف نهاية السباق 11 متسابقة ينافسن 9 فقط من الرجال، وتلك دلالة إيجابية، الملاحظة الثانية أن الشاعرات تميزن بالحضور بشقيه الإبداعى والأدائى، صحيح أن تاريخنا العربى ملىء بعشرات من الشاعرات، ولكن ما تحفظه الذاكرة من أبيات منسوب أكثر للرجال، ومن الممكن أن نُعزى ذلك بأن الإبداع عموما، والشعر خاصة، يحتاج إلى جرأة، ولا يزال مجتمعنا العربى (الذكورى) مهما أبدى عدد من نخبته أو مثقفيه ترحيبهم بالمرأة، فإن هناك تحفظا ما يواجهها، لو تخيلنا مثلا أن شعر نزار قبانى كتبته امرأة، لوقعت مباشرة تحت طائلة القانون الاجتماعى قبل الجنائى وطالبوا فورا بسجنها بتهمة الإباحية.

يوم 2 إبريل، هل ستصبح هى المرة الأولى التى تتوج فيها امرأة عربية وعن جدارة بلقب أميرة الشعراء العرب؟، لا أستبعد ذلك، لأن لجنة التحكيم ترتكن فقط لمعايير فنية، المرأة الموهوبة من حقها أن تعتلى كرسى الإمارة!.

التعليقات