أحمد لطفى السيد اعتذر عن رئاسة مصر

عندما رحل عام 63 نعاه الشاعر والكاتب الكبير كامل الشناوى قائلا (عقلى يجهش بالبكاء)، لم يقل قلبى كما هو معتاد، ولكن عقلى، لأنه حقًا كان أستاذًا للعقول، يحركها نحو الديمقراطية، فهو صاحب مقولة (الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية) رغم أن كل الممارسات التى نعايشها فى حياتنا، تؤكد أن كل اختلاف كان عمقه الحقيقى ووقوده الكامن فى الصدور هو الرأى.

لماذا تذكرت اليوم أستاذ الجيل أحمد لطفى السيد؟، الرجل شغل عشرات المناصب، واعتذر عن عشرات غيرها، بينها منصب رئيس الجمهورية، حيث إن رجال يوليو 52 توافقوا على اختياره فى هذا الموقع الحساس بعد أيام من الثورة، وكان من الواضح أنهم أرادوا من خلال هذا الترشيح غير التقليدى أن تصل الرسالة للنخبة وأيضا الشعب، أنها ليست انقلابا قام به مجموعة من الضباط الأحرار فى الجيش، ولكنها ثورة يباركها الشعب فوقع اختيارهم على الرمز الأكبر للمثقفين، فلقد كان هو أستاذا لعميد الأدب العربى طه حسين.

برغم كل المواقع التى شغلها هذا المفكر والفيلسوف الكبير فإن كرسى رئاسة جامعة القاهرة ظل هو الأهم، والأقرب إليه، ولهذا أنا أكتب عنه اليوم، الاختيار قطعا ليس عشوائيا، وكما قال المتنبى «وبضدها تتميز الأشياء»، حيث شاهدنا من يشغل نفس الموقع الآن، وما أقدم عليه أمام طلبة جامعة القاهرة، ممسكا بالموبايل وهو يقرأ عليهم عددا من الأخبار المفرحة التى قرر أن يسعدهم بها، منها أن كل طلبة المدينة الجامعية الذين لم يدفعوا قسط شهر رمضان حتى الآن سوف يتم إعفاؤهم من المصاريف، كما أن الطالب الذى تعثر بفارق 5% عن الحصول على شهادة الليسانس أو البكالوريوس، سيتم إنجاحه كما قال، وكأنه يبيع كيلو بامية (خللى الـ5% علينا المرة دى)، ناهيك عن إجازات ممتدة طوال شهر إبريل.

قال سقراط «تكلم حتى أراك»، وقال على بن أبى طالب «البشر صناديق مغلقة، مفتاحها الكلام»، أغلب المصريين لم يسبق لهم التعرف على شخصية رئيس جامعة القاهرة، وهكذا عرفناه، فى تعامله مع الطلبة الذين تحلقوا حوله بالآلاف، حيث شاهدوا أستاذهم وهو يمن عليهم بكل هذه المنح المتلاحقة فى توقيت لا يخفى على أحد، وهو قطعا بركة شهر رمضان (مشيها بركة شهر رمضان)، وكان ينبغى أن يضم إليها أيضا بركة المسيح عليه السلام، حيث نحتفل هذه الأيام أيضا بالأعياد القبطية، وهذا هو أبسط قواعد الإحساس بالمواطنة.

السؤال: هل كل ما أعلنه رئيس الجامعة يقع فى إطار صلاحياته؟، لست مؤهلا لتقديم إجابة قانونية موثقة، لكن إذا كانت الإجابة هى نعم من حقه، فإن السؤال التالى: ألا يستحق باقى طلبة جامعات مصر التعامل بالمثل؟، أليست تلك هى أيضا أبسط قواعد العدالة؟، وإذا لم يعلن باقى رؤساء الجامعات أن هذه هى بركة رمضان والسيد المسيح، ألن يشعر الطلبة فى جامعات مثل عين شمس والمنصورة وأسيوط وغيرها بأن رئيس الجامعة، مقصر فى حقهم، وبالتالى توغل صدرورهم بالغضب، ويضيع الهدف الكامن من تلك المنحة (الرمضانية)؟.

كلنا نتابع ما يجرى فى الإعلام الذى يتعامل مع قضايانا المصيرية بقدر لا ينكر من السطحية، مفروض أن الجامعات تحكمها معايير انضباط أخرى، غير تلك التى مارسها رئيس جامعة القاهرة، الذى تكلم أخيرًا فرأيناه جميعًا!!.

(المصري اليوم)

التعليقات