أنا وطنى وبانشد وباطنطن!

لو استمعت أول من أمس إلى أغنية شادية (مصر اليوم في عيد)، سوف تكتشف حالة التواطؤ الجماعى التي مارستها الإذاعة المصرية بمختلف موجاتها، عندما أغفلت عامدة متعمدة اسم المونولوجست عمر الجيزاوى الملحن الأصلى للأغنية، حصل بالفعل ورثة الجيزاوى منذ أكثر من 30 عاما على حكم نهائى وملزم للجميع يؤكد أنه الملحن الأول للنشيد بينما أضاف جمال سلامة بعض جمل لحنية، ولهذا طبقا للقانون تتم مناصفة الأداء العلنى بينهما، من خلال جمعية المؤلفين والملحنين، والأداء العلنى هو المقابل المادى لعرض أو إذاعة المصنف الفنى، كانت الإذاعة في الماضى تلتزم بذكر اسم الجيزاوى، ولكن من الواضح أن هناك من تدخل هذا العام فحذف اسمه.

هذه السرقة العلنية قد تفجرت عام 82 في العام الأخير لحياة الجيزاوى وبعد سنوات كانت هي الشرارة التي ألهمت صُناع فيلم (سمع هس) عام 1991 المخرج شريف عرفة والكاتب ماهر عواد وبطلى الفيلم ليلى علوى وممدوح عبدالعليم، لتقديم معادل درامى.

الفيلم يتناول حكاية حمص وحلاوة، الذي كتب ولحن أغنية شعبية (أنا حُمص حُمص يا حلاوة) ليقدمها في الشوارع والأفراح، فصارت بعد أن سطا عليها ملحن ومطرب شهير أدى دورة حسن كامى (أنا وطنى وبانشد وباطنطن وأتباهى بيك يا وطنطن)، وحقيقة الحكاية أن جمال سلامة- وبالمناسبة لم تكن المرة الوحيدة- قد وقع اختياره على مونولوج قديم من غناء وتلحين الفنان الصعيدى عمر الجيزاوى، تأليف مصطفى الطائر. ملحوظة لمن لا يعرف تاريخ هذا الفنان الذي انطلق فنيا في زمن العملاقين إسماعيل يسن ومحمود شكوكو، فكان نصيبه في الجماهيرية بالقياس للعملاقين محدودا نسبيا، بدأت رحلته في نهاية الثلاثينيات حتى رحيله في مثل هذه الأيام عام 1983، ولكن هذا لم يمنعه من تحقيق نجاحات في أكثر من مونولوج شعبى مثل (العرقسوس) و(اتفضل شاى) اللذين لا يزال أرشيف التليفزيون الأبيض والأسود يحتفظ بهما، وفى تلك الأثناء قدم العشرات من المونولوجات ومنها واحد مطلعه يقول (ياللى م البحيرة وياللى من آخر الصعيد)، أخذ جمال سلامة التيمة الموسيقية وطلب من الشاعر عبدالوهاب محمد أن يكتب على الموسيقى كلمات وطنية ليشارك بها في الحفل الذي أقامته مؤسسة الرئاسة 25 إبريل 1982 مواكبا لعودة سيناء، ويبدو أن جمال لم يكن يعرف أن الجيزاوى حى يرزق ويتابع ويسمع، حيث إن الجيزاوى قد اختفى تماما عن الأنظار منذ نهاية الستينيات، فلم يعد أحد يطلبه للغناء أو لتمثيل أدوار قصيرة كما كان متعودا في عدد من الأفلام الهزيلة، كان جمال فيما يبدو لديه يقين أن لا أحد سيكشف السرقة، إلا أنه فوجئ بإقامة دعوى قضائية من الجيزاوى الذي لم يشهد النطق بالحكم لصالحه لأنه رحل بعدها بعام بينما مؤلف الكلمات الشاعر مصطفى الطائر كان قد سبقه للعالم الآخر بثلاثة أعوام.

الإذاعة المصرية امتثلت في الماضى للقانون وكانت تشير إلى أنها تلحين عمر الجيزاوى وجمال سلامة وتأليف مصطفى الطائر وعبدالوهاب محمد، لكنها هذا العام هتكت عرض القانون.

هل هم لا يعلمون؟، أشك لأنهم قبل سنوات كانوا حريصين على إعمال القانون، تفسيرى الوحيد أنهم مثل كثيرين شعارهم (الحى أبقى من الميت) والقوى يقهر الضعيف، وحيث إن الجيزاوى بالنسبة لهم مجرد مونولوجست لا يعرفه أحد، فلا يصح أن يوضع اسمه بجوار جمال سلامة أو حتى أن يقترن اسمه بأغنية وطنية ترددها شادية.. (عيب والله)!!.

 

التعليقات