«ربيع باكي وضاحك»!!

ماذا لو غنت أم كلثوم بصوتها (الربيع) بموسيقى فريد الأطرش، سألت شاعر الأغنية مأمون الشناوى عن رأيه فى تلك المعادلة الثلاثية؟

أجابنى: لا أتصور أن النجاح سوف يتضاعف، الأغنية نجحت ليس فقط بالكلمة واللحن ولكن بأداء فريد، فهو لحن الربيع ليؤديها فريد، حتى وهو يعرضها على أم كلثوم أتصوره كان سعيدًا عندما أخبرته أنها تريد تعديل بعض الكلمات وأننى سبق وأن رفضت ولهذا فلن تغنيها.

فى الحوار بينه وبين الست قال لها مأمون إنه مثل الفنان التشكيلى انتهى من لوحة ولا يمكن أن يضيف لونًا أو ظلًا، بناء على اقتراح من سيقتنى اللوحة، بينما أم كلثوم ترى الأغنية عملاً جماعيًا ومن حقها أن تدلى برأيها، وأن يؤخذ به لأنها هى التى تواجه الجمهور وليس الملحن أو الشاعر. يذهب مأمون بالكلمات إلى صديقه فريد الأطرش الذى يبعد منزله بأقل من 100 متر عن فيلا أم كلثوم الذى يقدمها ضمن أحداث فيلمه «عفريتة هانم» للمخرج هنرى بركات عام 49، ومنذ ذلك الحين لا يصبح الربيع ربيعًا إلا بعد أن يشدو فريد برائعة مأمون.

كان محمد الموجى ومنير مراد هما الملحنين الأقرب إلى سعاد حسنى وفجأة تتوقف إشارة المرور ويستمع كمال الطويل إلى صوت يستحوذ عليه من فرط رقته وتقول له «امتى ح أغنى من ألحانك يا أستاذ» ينظر من زجاج السيارة فيكتشف أنها سعاد، ويقول لها على سبيل المجاملة حالا، تليفون فى المساء من صديقه صلاح جاهين يؤكد له أنه وسعاد فى انتظاره، قال لى الأستاذ كمال إنه مع سعاد لا يلحن فقط الكلمات، ولكن الصوت يلهمه بالنغمة ويبدأ بـ«يا واد يا تقيل» فى «خلى بالك من زوزو» وتتعدد الألحان وتأتى «الدنيا ربيع» فى «أميرة حبى أنا» للمخرج حسن الإمام أيضا عام 74 لتصبح عنوانا مغايرا للربيع.

لا نعرف فصل الربيع بأوراق شجر أخضر، ولا بتغريد العصافير، ولكنه «ربيع» عندما نستمع فقط لفريد، قبل ذلك هو مجرد شروع فى ربيع، ظلت الأغنية مسيطرة بمفردها على المشهد لمدة 25 عاما، حتى جاءت «الدنيا ربيع»، ومنذ ذلك الحين صار للربيع أغنيتان ووجهان «باكى وضاحك»!!

جاهين والطويل وسعاد قدموا مذاقًا يدعوك للقهقهة والضحك، بينما مأمون وفريد قدما مذاقًا مليئاً بالشجن، لدينا فى الدراما «البارودى»، أى أن هناك رؤية ساخرة لعمل فنى مغرق فى الدموية إنه الوجه الآخر، مثلا أفلام الكاوبوى الأمريكية المليئة بالمسدسات والبنادق والدماء شاهدنا الوجه الآخر لها فى كاوبوى إيطالى وإسبانى بمذاق كوميدى أطلقوا عليها على سبيل السخرية «كاوبوى اسباجيتى».

فى ربيع سعاد نتأكد أنها لا تريد أن تثير أى لحظات من الألم ولكنها تتجاوز عن كل شىء من الممكن أن يعكر صفو اللحظة «قفلى على كل المواضيع / قفل قفل قفل قفل»؟!

لنرى تلك الحالة من الامتزاج بهذا التوافق اللاشعورى بين الموسيقى والكلمة وبهجة صوت سعاد حسنى، الذى عبر عن حالة التصالح مع الحياة، بهذا الرنين الخفى «الشجر الناشف بقى ورور / والطير بقى لعبى ومتهور»، بينما فريد لا يزال صوته يشجينا وهو يقول بكلمات مأمون الشناوى «وغاب عنى لا طمني/ ولا قال امتى راح أشوفه / وأقول يمكن ح يرحمني/ ويبعت للربيع طيفه)، الفن تلمحه فى تلك الومضة التى تستحوذ على القلب، وفى الربيع نحلق دائما مع شجن فريد وضحكة سعاد!!

التعليقات