مع النائب العام

ذكرتنى تهنئة المستشار عبدالمجيد محمود، أمس، بقدوم رمضان بذكريات جميلة.. كان النائب العام قد اتخذ قرارًا بحظر النشر فى واحدة من قضايا الرأى العام المثيرة جدًا.. وكان الناس يرون أن حظر النشر فيه تعتيم على قضية ربما تورط فيها أبناء علية القوم.. وهنا وجدت أننى لا بد أن أسأل النائب العام عن أسباب الحظر.. وتخوف رئيس التحرير!.

طلبنى الأستاذ سعيد عبدالخالق رحمه الله فى مكتبه وقال لى: علشان خاطرى بلاش.. أنا معنديش مانع؛ ولكنى أخشى عليك. قلت له: النائب العام من حقه أن يتخذ القرار بالحظر وأنا من حقى أن أسأله عن السبب. قال: خلاص أنت حر. ونشر المقال- ولم يكن أمامه غير ذلك- فى مكانه بالصفحة الأخيرة.. وتلقفته برامج التوك شو؛ وفى الصباح طلبنى معالى النائب العام ليرد على الأسئلة!.

وكان عبدالمجيد بك رحب الصدر واسع الثقافة يلتقى بالكتاب من وقت لآخر.. وكنت أحد المحظوظين.. وراح يرد بهدوء شديد على كل سؤال.. وشكرته جدا.. واستأذنته أن أنشر ما قال. قال افعل ما شئت وإن كنت أحب أن تكون لديك المعلومات.. وهنا فضلت ألا أشير إلى ما قال على سبيل الترجيح لرغبته.. وشرحت الأمر فيما بعد للأستاذ سعيد.. فقال الحمد لله أنه لم يكن استدعاء!.

كنت عندما يطلبنى النائب العام أبتسم وأسأله: هل هو استدعاء؟، فيضحك ويقول: لا. فأذهب إلى مكتبه أشرب الشاى والقهوة.. وألاحظ تأشيراته على أوراق الصحف.. كان يبدأ يومه بقراءة الصحف ويحيل القضايا المنشورة للتحقيق عبر النيابات المختصة.. وسعدت جدا أن ما نكتبه يلقى اهتمام النائب العام وأجهزة الدولة.. كانت أياما من أجمل الأيام!.

وأعود لأقول إن أى جهة من حقها أن تصدر القرارات مهما كانت؛ ولكن من حق الرأى العام أن يسأل عن الأسباب.. حتى تتوقف الشائعات ويتوقف الخوض فى الكلام والأعراض والأشخاص.. وكانت هذه هى الفكرة.. لا مانع من الأسئلة. هى أولا وأخيرا أسئلة لا تنال من مكانة أو قيمة من يتخذ القرارات.. وهى أولى وواجب فى البلاد الديمقراطية.. أو التى تسعى للديمقراطية!.

ليست هذه هى المرة الوحيدة التى ناقشت فيها النائب العام على الملأ.. وبعد حين أصبحت أطلبه لأساله مباشرة قبل النشر.. وكان يرد على الاستفسارات.. وكان غيره فى الدولة يوضح لنا إيمانا بحق الإعلام فى السؤال.. وقد تذكرت كل ذلك وأنا أستقبل تهنئته الجميلة بحلول رمضان.. وفى الحقيقة هو دائم السؤال لوجوده خارج البلاد!.

باختصار العلاقة بين رموز الدولة وكتابها وإعلامييها مفيدة للدولة أولا، ومفيدة للكتّاب ثانيا.. فأنت على الأقل لا تكتب إلا إذا كانت لديك معلومات من مصادرها.. وهى قمة الحرية والديمقراطية!.

التعليقات