زيتنا في دقيقنا

لصالح المالك جامعة القاهرة، صدرت عن دار إميرالد الإنجليزية مجلة الإنسانيات والعلوم الاجتماعية التطبيقية. يقول الخبر على لسان الدكتور عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة أن " غالبية الكليات النظرية خارج التصنيفات الدولية، وهو ما يعد أزمة حقيقية بسبب عدم وجود نشر دولي في هذه التخصصات، موضحا أنه في إطار التغلب على هذه الأزمة والتقدم أكثر في التصنيفات الدولية كان لابد من إيجاد حل ليس لجامعة القاهرة وحسب، وإنما لجميع الجامعات المصرية والعربية". القصة إذا هي أن الاساتذة في الكليات النظرية عندنا يجدون صعوبة في النشر في المجلات الدولية المرموقة، ليس لأن هناك من يضطهد أساتذتنا، ولكن لأن ما ينتجونه من أبحاث غير قادر على إقناع القائمين على تحرير هذه المجلات، مما قلل من رصيد النشر الدولي لهذه الكليات، وتسبب في تأخير التصنيف الدولي للجامعات المصرية، وخاصة لكليات العلوم الاجتماعية والانسانية. وبدلا من أن نبحث في أسباب تراجع مستوى الإنتاج العلمي لأعضاء هيئات التدريس عندنا، ولماذا يعيش نظراؤهم في العالم في واد، بينما أستاذة العلوم الاجتماعية والإنسانيات عندنا يعيشون في واد آخر؛ قررنا أن نسهل النشر الدولي لأساتذتنا على حالهم وكما هم دون أي تطوير. ولأن المجلة الجديدة تصدر باللغة الإنجليزية عن دار نشر مقرها في انجلترا، فإن الأبحاث المنشورة فيها ستعتبر من نوعية النشر الدولي، الذي يساهم في تحسين التصنيف لجامعاتنا، حتى لو كان كل ذلك منظرة فارغة، لا تعكس حدوث أي تقدم حقيقي.

لم ينزعج رئيس جامعة القاهرة والذين معه مع تراجع المستوى، لكنهم انزعجوا من التقييم الضعيف الذي تحصل عليه جامعاتنا، فلجأوا إلى الحيلة، وإذا كان الخواجات لا يعجبهم شغلنا، ولا يمنحونا فرصة للنشر، فلنفتح مجلتنا، ونعين بعض منا محررين لها ومحكمين لأبحاثها، فنبدو ذ٠كما لو كنا ننشر دوليا، وكما لو كان أستاذتنا ينتجون أبحاثا يحتفي بها العالم، فتحصل جامعاتنا على تقييم أفضل، نباهي به ونتباهى، حتى لو لم يكن طلاب العلوم الاجتماعية عندنا شعروا بأي تطوير، وحتى لو يكن أساتذتنا كتبوا شيئا مختلفا عما اعتادوا كتابته منذ سنوات.

السبب الأهم لإصدار هذه المجلة، والذي لم يقله الدكتور الخشت، هو أن أعضاء هيئات التدريس يواجهون صعوبة في نشر الأبحاث اللازمة لحصولهم على الترقية. ففي وقت ما قبل حوالي عشر سنوات كبر موضوع التطوير في رؤوس بعض القائمين على الجامعات، وأضافوا النشر في مجلات دولية شرطا لترقي أعضاء هيئة التدريس، وكان الغرض من ذلك هو دفع الصاعدين من شباب المدرسين الجامعيين لخوض تجربة النشر الدولي، بكل ما فيه من شروط صارمة تحترم الجودة وتقدس النزاهة العلمية، وتبحث عن الفكرة الجديدة، وتهمل الفكرة القديمة المكررة، فينعكس كل ذلك على الأساتذة والطلاب والتدريس والحياة الجامعية في بلادنا. لكن أكم من أعضاء هيئة التدريس عندنا تأخرت ترقياتهم بسبب هذا الشرط الذي اعتبروه مجحفا، ولأن الدكتور الخشت يحب التسهيل على هيئة التدريس، بالضبط كما يحب التسهيل على الطلاب، فكان الحل في تأسيس مجلة جامعة القاهرة للعلوم الاجتماعية والإنسانية باللغة الإنجليزية من انجلترا، ليتولى تحريرها وتحكيمها بعض من هيئة التدريس عندنا، نعرفهم بالاسم والسمت، ولنا عليهم دلالا وابتزازا عاطفيا وضغوط، ولهم مصالح سنراعيها، شرط أن يراعوا زملائهم، فنراعي جميعا خواطر بعضنا البعض، ولا تفوتنا اعتبارات الترقية التي حان وقتها؛ يعني باختصار يصبح زيتنا في دقيقنا، من غير حاجة لتدخل الخواجات بيننا.

التعليقات