«عبث الأقدار» ولعب الكبار!

فى رواية (أم رتيبة) التى كتبها بروح ساخرة يوسف السباعى، أهل العروس اعترضوا على اسم (الطرشجى) على بنجر، فقرر تغييره إلى سيد بنجر، ما نراه يجرى على الساحة الأدبية، لا يمكن التعامل معه إلا باعتباره الوجه الآخر (للبنجر).
قررت (دار الشروق) الناشر أن تحيل (عبث الأقدار) إلى (عجائب الأقدار)، لم تكن المرة الأولى التى يتم فيها هذا (العبث)، ولا هى أيضا الأولى التى تتدخل فيها نظرة متحفزة ومتحفظة فى قراءة ما كتبه أديبنا الكبير، وبالطبع يستندون إلى أن نجيب محفوظ لم يعترض، والحجة المعلنة هى تبسيط الرواية. نجيب محفوظ كتركيبة إنسانية مسالمة بطبعها لم يعترض أساسا على مصادرة (أولاد حارتنا) ومنع طبعها بالقاهرة، وعندما نشرتها جريدة (الأهالى)، قبل التصريح الرسمى بطبعها اعترض أيضا، فهو يبتعد عن هذا النوع من الصراعات، إلا أن هذا لا ينفى طبعا أنه مثل أى مبدع يتمنى أن يقرأ الناس بالضبط ما كتبه.
الرواية صدرت قبل 70 عاما، فى إطار المرحلة التاريخية التى بدأ من خلالها محفوظ رحلته الأدبية، واعقبها بـ(رادوبيس) و(كفاح طيبة)، يطل على التاريخ الفرعونى ليمنحنا رؤية عميقة وناضجة لحياتنا، سبق للمخرج هانى لاشين قبل 25 عاما أن رشح عمر الشريف لبطولة تلك الرواية فى فيلم سينمائى عالمى وتعثر المشروع، لأسباب إنتاجية.
(عبث الأقدار) قدمت أيضا فى مسلسل عام 2000، أصرت الرقابة على الاكتفاء بكلمة (الأقدار)، ولم يعترض نجيب محفوظ، الرقابة تتكئ فى رفضها إلى حديث معناه (لا تسبوا القدر فأنا القدر).
يطبقون قاعدة دينية صارمة على عمل خيالى، وهو ما سبق أن مارسه أحد ما دأبنا على أن نصفه بالاستنارة الشيخ محمد الغزالى، الذى أثار الدنيا ضد (أولاد حارتنا) بتلك القراءة الدينية المباشرة، وهو أيضا الذى تدخل من قبل وطالب بحذف مقطع (قدر أحمق الخطى/ سحقت هامتى خطاه) من قصيدة كامل الشناوى (لست قلبى)، التى لحنها عبدالوهاب وغناها عبدالحليم، وظلت الإذاعة تصادر هذا المقطع حتى مطلع الألفية الثالثة، بينما فى دار الأوبرا المصرية عند إعادة القصيدة بأصوات المطربين الشباب يتم التغيير إلى (قدر واثق الخطى) عكس تماما ما أراده الشاعر.
الشيخ خالد الجندى والذى يصفه البعض أيضا بالاستنارة هو والداعية سعاد صالح يعترضان على أغنية عبدالحليم (على حسب وداد قلبى) وتحديدا مقطع (لا ح اسلم بالمكتوب/ ولا ح أرضى أبات مغلوب)، لنفس السبب (تحدى الدهر)، بل ويضيفون للممنوعات أغنية شادية (غاب القمر با ابن عمى) لأن ابن العم ليس بمحرم.
دار النشر تقول إن الغرض هو التبسيط للقارئ ولا تطرح أبدا أن السبب الرئيسى خوفها من غضب التيار الدينى المتشدد.
فتح الباب لتلك المواءمات، من خلال إخضاع الفنون لرؤية دينية، سيؤدى بنا لا محالة إلى الارتطام بالحائط، تخيلوا لو طبقنا تلك المعايير الصارمة على أسماء عائلات مسلمة مثل عبدالنبى أو عبدالرسول، بحجة أن تلك الألقاب تتعارض مع الدين الإسلامى!!
محاولة الوصول إلى مرحلة من التوافق مع الرؤية الدينية المتزمتة، تُنذر بدمار ليس فقط للفنون ولكن الحياة!!

التعليقات