الأحضان الدافئة!!

عندما احتدمت المعركة الغنائية، فى مطلع الستينيات، بين المطربين عبدالحليم حافظ ومحمد رشدى، اتهم رشدى حليم على الملأ بأنه يحاكيه فى اختيار الأغانى الشعبية، ويسعى أيضا للاستحواذ على تلك الشريحة من طبقة العمال والفلاحين التى تعلقت به. كان رشدى قد تمكن من تحقيق قفزة جماهيرية غير مسبوقة أثارت غيرة عبدالحليم، بأغنيتى (وهيبة) و (عدوية)، وقال رشدى أنا فلاح أغنى لأهلى وناسى (تحت الشجر يا وهيبة يا ما كلنا برتقان)، وعبدالحليم يغنى للقاهريين والمترفين (توبة إن كنت أخاصمك تانى توبة)، ولن يصدقه أهلى وناسى فى القرى والنجوع.

رد عليه عبدالحليم: أنا الأقرب للفلاحين، لأنى أساسا منهم، أعانى من أشهر مرض، يعذبهم وتنزف دماؤهم بسببه وهو (البلهارسا)، وبالفعل مع مرور الزمن رحل حليم عن الدنيا بسبب مضاعفات هذا المرض اللعين، لم يتم علاجه مبكرا فاستوطن فى الكبد، والغريب أن رشدى أيضا رحل بسبب مضاعفات مرض الكبد.

كان حليم حريصا على أن يعلن مرضه كنوع من الدفاع عن النفس، حتى إنه فى أكثر من حفل شاهدناه يأخذ أقراص العلاج، بينما تعودنا أن الفنان يُخفى عن الناس آلامه، خاصة أن فتى الأحلام يجب أن يظل له سحره عند الجمهور، ويبدو فى كل الأحوال أن حالته الصحية والشخصية 24 قيراط.

فى الأشهر الأخيرة شاهدنا العديد من الفنانين يصارحون جمهورهم بحقيقة أمراضهم ، مثل المطربين خالد سليم وهيثم شاكر ومقدم البرامج شريف مدكور والراحل فاروق الفيشاوى وغيرهم، لم يعد هناك حرج فى إعلان المرض عبر الفضائيات و(السوشيال ميديا)، أتصور أن الهدف المباشر هو الحصول على الدعم العاطفى، للوصول إلى الإحساس بالمشاركة.

أغلب النجوم فى الماضى كانوا يتكتمون إشهار المرض، مثلًا سعاد حسنى لم يعلم الناس حقيقة ما تعانيه إلا بعد الرحيل، كانت قبلها قد قررت السفر إلى لندن والإقامة شبه الدائمة هناك حتى تبتعد تماما عن نظرات المتطفلين، الذين سوف يتساءلون عن أسباب السمنة الزائدة، بالإضافة إلى إصابتها بالعصب السابع الذى أدى إلى معاناتها فى أحد جانبى وجهها. كل حفلات أم كلثوم المسجلة تليفزيونيا كانت تمنع المخرجين من تصوير وجهها فى لقطات قريبة، حتى لا يلحظ الناس جحوظ عينيها بسبب إصابتها بالغدة الدرقية، وهذا هو السبب الرئيسى لاعتزالها السينما فى نهاية الأربعينيات.

بينما الموسيقار محمد فوزى سمح بالتقاط صورة له بعد أن تداعت تماما صحته واقترب من شاطئ النهاية، فقرر وداع جمهوره فى رسالة تقطر دموعًا نشرها عام 66.

فريد شوقى فوجئ بأن التليفزيون الرسمى المصرى عام 98 يذيع خبر رحيله، حيث كان يعانى من مشاكل فى القلب، صارح الجميع بحقيقة المرض من المستشفى وهو ينفى خبر الرحيل، وأكد أنه يعتبرها مجرد بروفة، وبعد 40 يوما فقط أذاع التليفزيون خبر الرحيل.

هل الناس تحب الفنان فقط وهو فى كامل صحته ولياقته أم تتعاطف مع مرضه؟ فعلتها المطربة إليسا بشجاعة نادرة بل التقطت صورها وهى تتلقى العلاج، وتوجه الملايين بالدعاء، كما أنها، وهذا هو الأهم، منحت أملا للعديد من المرضى بالمواجهة، وهو أيضا ما سبق لأحمد حلمى أن فعله قبل بضع سنوات.

أسقطت وسائط التواصل الحديثة أوراق السوليفان الزائفة. الناس على استعداد لأن تمنح القوة والتعاطف وفيضا من الحب للفنان لو استشعروا أنه بحاجة حقًا إلى أحضان قلوبهم الدافئة!!.

التعليقات