«كروان الفن وبلبله»!

الكتابة على الحافة، أى أن تصل لآخر ما تعتقد أنه متاح، الفيصل هو النشر، والباقى (دخان فى الهواء)، وهو بالمناسبة عنوان الباب الذى كان يكتبه أحد أساتذة الصحافة الكاتب الكبير جلال الدين الحمامصى، أعلم قطعا أن أغلب القراء لا يتذكرون اسمه، ولهذا سأضيف لكم أن فيلم (إحنا بتوع الأتوبيس) مأخوذ عن واقعة حقيقية أشار إليها فى كتابه (حوار وراء الأسوار)، كثيرا ما تعرض عموده فى جريدة (الأخبار) للحذف أو المنع، ومن كان يلعب دور الرقيب كاتب كبير وموهوب جدا الأستاذ موسى صبرى، والذى كان يعتبر أن الحمامصى أستاذه الأول، وتلك حكاية أخرى.

ألغى أنور السادات الرقابة على الصحف، لكنه منح رؤساء التحرير سلطة الرقيب، وصار الأمر يخضع، وحتى الآن لتقديره فى السماح بالنشر، وهو ما يفترض الوصول لتلك المساحة الزئبقية، بين أن تكتب ما يمكن أن يتحمل رئيس التحرير مسؤولية نشره.

كلنا نجتهد، فهى منطقة هلامية، نتعرض فيها عادة لقدر من التناقض فى التلقى، من يعتبرك شجاعًا لأنك قطعت تلك المسافة فى البوح، ومن ينعتك بالرعديد لأنك وقفت فقط على شاطئ الحقيقة، متجاهلين القاعدة الفقهية (ما لا يدرك كله لا يترك كله).

تلقيت بعد مقال أمس (شيشوا الشيش) عددا من الرسائل على الخاص، حملت وجهتى النظر، رغم أن (الشيش) يشير إلى أننى أقول ما أستطيع، فهو لم يفتح بعد، فقط هناك أمل فى (تشييشه).

استوقفنى أن كاتبا دراميا كبيرا قال لى متعاطفا مع زملائه الذين ضاقت بهم سُبل العيش، إنه يردد معهم أغنية فى فيلم (دهب) لفيروز وأنور وجدى (كروان الفن وبلبله/ مش لاقى حد يؤكله).

هل وصلت لهذا لحد؟ نعم هناك بيوت اتخربت، هذا هو مورد رزقهم الوحيد، فجأة صاروا خارج الجدول، لو كان الفيصل الكفاءة الفنية، فسوف نضرب قطعا تعظيم سلام، لأن السوق من حقها أن تطلب وتحدد مواصفاتها، وسنة الحياة الفنية قائمة أساسا على التغيير، لكننا بصدد حالة من الانتقاء، الوجه الآخر الازدراء، وصل الأمر فى أحد المهرجانات المصرية، التى أقيمت مؤخرا، أن كاميرات بعض الفضائيات كانت تتجنب تصوير عدد من النجوم والنجمات والكتاب، السر أنهم (كود)، وهو الاسم الحركى الذى بات يوصف به كل من تم إقصاؤه، والسبب أنه مثلا اعتذر عن فيلم أو مسلسل، فقرروا توجيه العقاب، وهو ما تم تطبيقه على عدد من الإعلاميين والصحفيين لو أعلنوا رأيًا مخالفًا يلقى فى وجوههم بكل بساطة قفاز (الكود).

عندما نخصم من المبدع زمنًا، فإننا نحذف من عمرنا نفس الزمن، النجمة التى باتت مستبعدة عدة سنوات، ومع سبق الإصرار والإضرار، تتغير قطعا ملامحها، وما كانت تصلح له قبل عامين أو ثلاثة لم تعد مؤهلة لأدائه الآن، الكاتب الذى تشغله فكرة يريد إحالتها إلى فيلم أو مسلسل، ثم يصطدم بحائط صلد اسمه (الكود)، لن يستطيع استكمال فكرته، ولن يكتب أخرى، يعز عليه أن يلقى بها فى صفيحة القمامة.

(كروان الفن وبلبله)، حتى لو وجد حد يؤكله، سيموت فى كل لحظة غما وكمدا وحسرة، وعلى رأى الست (وكفاية بقى تعذيب وشقى)!!

(المصري اليوم)

 

التعليقات