اُربط الحمار مطرح ما يقول صاحبه!

«ما (الترمومتر) السحرى الذى تقيس به وأنت مطمئن دلالات الألفاظ فى الدراما والأغانى لتعرف هل تعدت الخط الأحمر؟».. السؤال الذى يفرض نفسه دائما فى مثل هذه الأمور: هل نعزل الكلمة عن سياقها الدرامى أو الشعرى أو الموسيقى؟، الأمر ليس سهلا، كما أن الأطر الدلالية للكلمات تتغير، ما كان مستهجنًا فى توقيت زمنى، من الممكن أن يصبح مباحًا فى آخر، والعكس طبعا صحيح، لسنا بصدد معادلات حسابية صارمة، ولكن معان مرتبطة بقيم مجتمعية تتغير مع تغير شفرة التواصل بين الناس. قالوا إن المستحيلات ثلاثة (الغول والعنقاء والخل الوفى)، ولكنى أضيف لها الترمومتر الزئبقى، ليحتل مقعد المستحيل الرابع.. أغلب الأجهزة الرقابية تميل أخذًا بالأحوط، (للنفخ فى الزبادى)، أى أنها تخشى التورط فى الإباحة فتلجأ إلى أبغض الحلول، وهو المنع الكامل أو الحذف الجزئى. الأمر على أرض الواقع يبدو شديد الحساسية، قوى ثلاث تشكل أطراف المعادلة: (دولة ومجتمع ومبدع)، الدولة لديها محاذيرها وأهدافها، قد تتغير تلك المحددات بين الحين والآخر، وفى كل العهود هناك ممنوعات، الفنان بطبعه يريد المزيد من الحرية، بينما المجتمع ينظر بعين الريبة والشك لما تطرحه الشاشات، يريد فنًا أكثر أمانًا، وهكذا أصبح يثق فى أسماء محددة سوف تمنحه هذا الإحساس بالأمان، تغير الزمن وصارت السماوات المفتوحة تعرض الكثير مما كان يعد فى الماضى داخل إطار الممنوعات، إلا أن المواطن لا يزال يطالب الدولة بأن تتدخل وتنتقى، ورغم ذلك لا أحد راض عما يراه، كثيرا ما ألتقى الناس فى الشارع وهم يحمّلون شخصى الضعيف مسؤولية أن يصل صوتى للدولة لكى تتشدد رقابيًّا، ولسان حالى يقول (نشنت يا فالح)، أنا لدى عائقان: أولا، لا أعرف أحدا ذا صفة فى الدولة من الممكن أن أنقل إليه تلك الرغبة، ولا أظن أن هناك من لديه رغبة أساسا فى الدولة لكى يستمع. ثانيا وهو الأهم، أنا بطبعى ضد أن تتدخل الدولة فى الفن، وعليها أن تلقى الكرة لضمير المبدع، ولا تنسى أن لدينا نظام التصنيف العمرى الذى يعنى تحذيرا مسبقا مكتوبا على الشاشة يحدد المرحلة السنية التى من حقها مشاهدة العمل الفنى، وعلينا أن نتعلم ونُعلم أبناءنا تلك الثقافة، وهى أن نختار ما يلائمنا.

فى الماضى، كانت الدول تملك أن تضع مثلا صافرة تضعها على الإذاعات التى ترى أنها معادية، الآن اختفت تلك الصافرة، ولم يعد لها وجود إلا فقط عندما تجد لفظا متجاوزا فى أحد البرامج، ولكن الدخول أكثر بالحذف أو التعتيم لم يعد سهلًا، لأن استخدام سلاح المصادرة أفرز على الفور سلاحا مضادا للمصادرة. هل أنعش ذاكرتكم بتعبير النظافة الذى ارتبط فى السنوات العشرين الأخيرة بالسينما والمسلسلات والمسرحيات والأغانى، الكل صار يسأل عن النظافة؟.. وهكذا أصبح الفن فى يقين البعض نوعًا من النفايات ينبغى التخلص منه باستخدام أقوى أنواع المنظفات، ما معيار النظافة؟.. عدد من النقاد صاروا يستخدمون الكلمة مرادفا لتعبير زمن الفن الجميل، رغم أن الفن أبعد وأرقى وأعمق من وصفه بالنظافة، ولكن يريدونه كذلك، قسط من الفنانين قرر أن يريح ويستريح (ويربط الحمار مطرح ما يقول صاحبه)، وقسط آخر يريد أن يلعب دور (زكى قدرة)!!.

التعليقات