بابوري رايح...بابوري جاي

وصل إلى مصر في السبعينيات مطرب قادم من سوريا الشقيقة اسمه موفق بهجت. كان لبهجت أغنية شهيرة يقول مطلعها "بابوري رايح..بابوري جاي، بابوري محمل سكر وشاي"، يتحدث فيها عن سفره بحرا بالبابور ذهابا وإيابا إلى بلد الحبيب، محملا بالسكر والشاي، والمقصود أنه مستعد لشراء الهدايا وفعل أي شيء لإرضاء المحبوب، بالضبط كما كان محمد عبد المطلب يمشي مرتين كل يوم من السيدة لسيدنا الحسين.

الأغنية باللهجة السورية، فتغيرت معانيها عندما وقعت على الأذن المصرية. لم يقف المصريون عند الجزء المتعلق بالحبيب، لكن ثبت في ذهنهم الكلام المتعلق بالسكر والشاي، فالمصريين كما تعلمون هم "كييفة" شاي، حتى أن السكر والشاي كانا أثمن هدية يمكن لمسافر من القاهرة أن يحملها لأقاربه الريفيين؛ فيما يرد أهل الريف الهدية، في رحلتهم التالية للقاهرة، فطير مشلتت فاخر وبيضا وزبدا.

البابور - بمعنى السفينة – في أغنية موفق بهجت تحول عند المصريين، إلى الوابور بمعنى القطار، فالمصريين يعرفون القطار، الذي دخل بلدهم مباشرة بعد اختراعه في بريطانيا وأمريكا، بينما لا يعرفون البابور بمعنى السفينة، لأنهم لم يكونوا حتى ذلك الوقت يغادرون بلدهم إلا لأداء فريضة الحج، أما إبحار البابور في النيل فهي مجرد إمكانية نظرية، لأن نهر النيل لم يعد يستخدم لنقل البضائع و سفر الركاب منذ وصلول القطارات والتريللات.

"وابوري رايح جاي " هو الإفيه الذي علق في أذهان المصريين من أغنية السوري موفق بهجت، فتحولت الأغنية إلى نكتة، صنع منها الفنان سمير غانم "إفيه" لطيف في مسرحية "موسيقى في الحي الشرقي"، فأضحكنا عندما حكى لنا عن كيف أربكت الأغنية عامل التحويلة المسئول عن حركة القطارات، فلم يعرف ما إذا كان القطار رايح أم جاي، فتسبب في تصادم القطارات القادمة من جميع الجهات.

أغنية السوري موفق بهجت هي أغنية مستقبلية بكل المقاييس، فقد تنبأت بالقطارات التي تتحرك في جميع الاتجاهات فتتصادم؛ أما في بلده سوريا، فقد ألهمت الأغنية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فراح يطبق هناك كل شيء وعكسه، وراح يسحب قوات بلاده من سوريا في يوم، ليعود ويرسلها إلى هناك ثانية في الأسبوع التالي، حتى أن أحدا لم يعد يعرف ما إذا كان الجيش الأمريكي ذاهبا إلى سوريا أم عائدا منها.

في البداية قال الرئيس الأمريكي إن مهمة قواته في محاربة الإرهاب قد انتهت، وأنه ليس معنيا بالصراع بين تركيا والأكراد الذين تحالفوا مع الأمريكيين زمن الحرب على داعش. سحب الرئيس الأمريكي قواته، وغزا الأتراك الإقليم الكردي في شمال سوريا، وراحت تداعيات قرار ترامب تتوالي، فهرب الإرهابيون من السجون، وكادت آبار النفط في شرق سوريا تقع في أيدي غير صديقة، هنا تنبه الرئيس ترامب، وقرر إعادة الجيش الأمريكي إلى هناك من أجل السيطرة على النفط، الذي يبدو أنه الشيء الوحيد الذي له قيمة في عرف الرئيس الأمريكي. المهم أن الرئيس ترامب الذي سحب ألف جندي من شمال سوريا، عاد وأرسل إلى هناك 900 جندي آخرين بدلا منهم، فبدا الجيش الأمريكي في شمال سوريا وكأنه رايح جاي، بلا شاي أو سكر، لكن فقط بنفط سوريا المستباح. أما إذا سألتني عن سبب كل هذه الفوضى، فأرد عليك بأنه موفق بهجت الذي أوحى للرئيس الأمريكي بهذا الهراء.

التعليقات