الصندوق لـ(2 فى الصندوق)!!

فى حوار أجريته منتصف الثمانينيات مع الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس عن ملابسات منع عرض فيلم (الله معنا) الذى شارك فى كتابة قصته السينمائية مستقبلا ثورة 23 يوليو، قال لى إن عبدالناصر هو الذى منعه، وأضاف: عندما سألت الرئيس مباشرة عن حقيقة المنع أجابنى (قالولى إنك مطلع أمى غسالة)، وبالطبع اكتشف إحسان أن السبب هو تجسيد شخصية اللواء محمد نجيب أول رئيس لمصر، وأراد عبدالناصر بهذا التشبيه التدليل على فداحة الخطأ، وبالطبع حذف المخرج أحمد بدرخان الدور الذى كان قد أداه زكى طليمات، وتم السماح بتداوله، اختفت مهنة الغسالة من الحياة،بحكم التطور التقنى، ولكن لاتزال تستخدم كنوع من الهجاء مثل مهن أخرى البواب والزبال، برغم أن أحمد زكى فى فيلمه (البيه البواب) أعاد للشخصية هيبتها من خلال شخصية (عبدالسميع)، إلا أن هذا لم يمنع من بقاء الأمر فى الضمير الجمعى، على ما هو عليه.

شخصية الزبال ألهمت المخرج محمد عبدالعزيز والكاتب احمد عبدالوهاب فيلم (انتبهوا أيها السادة) بطولة محمود يسن وحسين فهمى، للتدليل على انقلاب الهرم الاجتماعى فى البلد، لكنهم لم يسخروا من المهنة ولا الشخص.

بينما ما أراه ومع بداية حلقات (2 فى الصندوق) وطبعا المقصود به صندوق الزبالة، يدعو للتقزز، ما يقدمه المسلسل حتى حلقته الثانية سخرية من المهنة ومن يمارسونها باعتبارهم مجرد شحاذين يمسكون بالمقشة كوسيلة للتسول، أغلب المسلسلات التى أطلقت على نفسها كوميدية، ومع بداية الحلقات الأولى، لا تُسفر فى الحقيقة سوى عن اشمئزاز، والأمر لا يتعدى فقط محاولة مستحيلة فى الاستظراف، لا يجوز إصدار أحكام قاطعة مع البدايات، وعلينا الانتظار حتى ينال صناع تلك المسلسلات حقهم المشروع فى عرض بضاعتهم، ربما يظهر شىء فى الأفق، كل المسلسلات التى تقع عنوة تحت هذا الإطار لا تملك سوى نجوم لا أنكر قطعا خفة دم عدد منهم، لكن (الكوميديا) لها قانون آخر.

(2 فى الصندوق) بطولة حمدى الميرغنى وأوس أوس، وهما يتمتعان بحضور لافت لو وجدا الدور، وتستطيع أن تكتشف الفارق مثلا لو تتبعت مشاهد الميرغنى مع عادل إمام فى (فلانتينو) لأن لديه نصًا كتبه أيمن بهجت قمر وأخرجه رامى إمام، ولكن الكوميديان مهما كان خفيف الظل عندما تتركه بمفرده أمام الكاميرا لا يملك شيئا سوى أن يفقد ظله.

ويبقى أن السخرية من الضعيف لا تُسفر أبدا من الناحية السيكولوجية عن الضحك لأنها تخلق التعاطف، جامعو القمامة فى الواقع يستحقون منا كل تقدير، فهم لم يتوقفوا لحظة واحدة عن النزول للشارع برغم تعرضهم القاسى للأمراض وأولها كورونا، إلا أنهم لعبوا دورهم على أكمل وجه فى مواجهة (الجائحة)، السخرية من هؤلاء الشرفاء نظرة دونية. لا أطالب بمصادرة الأعمال الفنية حتى تلك التى أختلف معها، لأنها فى النهاية ستلقى فى الصندوق!!

(المصري اليوم)

التعليقات