غزة مونامور .. والحب تحت الحصار "

 

لم يكن يخطر علي ذهني أن الحدود المصرية الفلسطينية، التي ظلت مصدرا لرياح التطرف والإرهاب، يمكن أن تحمل لنا عملا سينمائيا شديد البساطة والعمق والذكاء، وأن قطاع غزة معقل منظمة حماس، يمكن أن تخرج من بين أشواكه وقروحه، حالة إبداعية تسطع فوق شاشات المهرجانات السينمائية، لكن فيلم "غزة مونامور" للتوأم الفلسطيني "طرزان وعرب ناصر" تجاوز كل توقعاتي وخالف ظنوني، واستحق أن يحصد جائزة أفضل فيلم عربي مناصفة في مهرجان القاهرة السينمائي.

ورغم بساطة العمل الذي يدور في إطار اجتماعي رومانسي يحتفي بالحب، ويجعل منه حالة وجودية بدونها تصبح الحياة جحيما لا يطاق، إلا أن الفيلم يعكس صورة واقعية عميقة للمعاناة اليومية التي يعيشها سكان غزة، ويجسد حلم الشباب في الهروب من جحيم هذا السجن الذي بات يفتقد لأبسط مقومات الحياة الإنسانية، ويصور الأوضاع المتردية بسبب الفقر والقهر، وانتهاك حقوق وكرامة المواطن، من سلطات حماس الأصولية المتشددة في الداخل، والحصار الاسرائيلي المفروض عليه من الخارج، فلم تغب السياسة عن أحداث الفيلم المرشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية، لكنها جاءت متوارية خلف سخرية لاذعة، ومواقف كوميدية جريئة، تكشف ما وراء الشعارات الاستعراضية، والأغاني الحماسية التي تستخدمها السلطة لخداع أنصارها.

وجد التوأم الفلسطيني ضالتهما في واقعة حقيقية حدثت قبل 6 سنوات، حينما عثر أحد الصيادين علي تمثال من البرونز لـ "أبوللو" إله الشمس عند الإغريق، أمام شاطئ دير البلح في غزة، لكنه اختفي في ظروف غامضة بعد قيام السلطات الأمنية بمصادرته، ومن تلك الواقعة نسج المخرجان سيناريو محبوك يسرد قصة "صياد" أعزب بوهيمي، في العقد السادس، يقتحم قلبه الحب دون استئذان، لكنه يخجل أن يبوح للأرملة التي أحبها ويراها في أحلامه بمكنون فؤاده، وخلال المحاولات العديدة الفاشلة للاعتراف بحبه لها، يعثر علي تمثال "أبوللو" داخل الأميال البحرية المحدودة، وأثناء انشغال الجنود بإعداد الطعام، يقوم بتهريبه عبر نقطة الحدود واخفائه بمنزله، لكن السلطات الأمنية تصادر التمثال وتتهمه بسرقته، وهنا تبدأ مجموعة  مفارقات كوميدية وإسقاطات سياسية، صنعها المخرجان بخفة ظل وذكاء، وساهم الأداء البارع للممثل سليم الضو والفنانة هيام عباس، في اضفاء عمقا وصدقا علي الشخصيات، كما لعبت الموسيقي دورا مميزا في مراحل الفيلم المختلفة.  

ضاع حلم الرجل في الاحتفاظ بالصيد الثمين الذي منحه البحر إياه، لكنه ظل ممسكا بحلم الزواج من المرأة التي أهدت قلبه الحب والأمل، ووهبت فؤاده معني مختلفا للوجود.

(عن صفحتها)

التعليقات