لا للثورات الجديدة

تظل الثورات نقطة فاصلة بين البناء والدمار، وبين القديم والجديد، وبين السلام والدمار، ويظل التاريخ متأرجحاً بين التأييد واللعان، وبين التهليل والمعارضة، وبين الاحتفاء والرفض، وإذا كان القرن الماضى قد شهد أكبر ثورتين فى التاريخ الحديث إحداهما فى «روسيا» عام 1917التى أسقطت النظام الملكى والقيصر، ومهدت الطريق لقيام الشيوعية فى منطقة «آسيا» و«الصين» تزامناً مع قيام الحرب العالمية الأولى، وسقوط الإمبراطوريات القديمة فى أوروبا وبزوغ نجم القطب الجديد فى القارة الأمريكية.
نجد أن ثورة 23 يوليو 1952 تعد ثانى أهم ثورة سلمية قام بها الجيش ليحرر الأرض ويبعث الأمل فى تحرير شعوب المنطقة العربية والدول الإفريقية فى محاولة بائسة لخلق كيان جديد يسمى دول «عدم الإنحياز» التى لا تنحاز شرقاً أو غرباً، فكانت تلك الثورة مع الآتفاق والاختلاف ثورة دون سفك دماء وقتل وإبادة كما فى الثورة الفرنسية، أو الثورة البلشفية، وإنما هى ثورة إعلان الحرية والكرامة لمنطقة مهمة من المجرة ألا وهى البلاد العربية وإفريقيا وعلى الرغم من النكسة وما حدث بعد هذا من محاولات ما زالت مستمرة لإعادة السيطرة والاستعمار الجديد بصور مختلفة عن الماضى، إلا أن تلك الثورة المصرية ستظل شاهد عيان على عبقرية المصرى ورجولة وشهامة الجيش حتى إن أخطأ وحتى إن تدخل بصورة كبيرة فى السياسة وفى الحياة الاجتماعية، ولكن الثورات الجديدة التى بزغت مع سقوط سور برلين 1989 وسقوط «الاتحاد السوفيتى» وبداية عصور الفضاء الإعلامى وشبكات التواصل الجديدة نجد أن ثورات دول شرق آسيا مهدت لثورات الربيع العربى بكل ما تحمله من ويلات ومشاكل وبدايات لتفكك وسطوة لتيارات دينية متطرفة وجماعات ضغط تستغل وجود ديكاتورية أو فساد أو خلل اقتصادى أو فراغ ثقافى واجتماعى عبر استخدام شبكات التواصل الاجتماعى لخلق نوع جديد من الثورات التى لا تعتمد على فلسفة أو فكر، أو أن يكون لها رأس مدبر أو قائد وإنما هى ثورات شعبوية جديدة تحاول فرض حالة من الفوضى وعدم الاستقرار على النظم السياسية والمجتمع تمهيداً لإحداث خلل كبير فى السلطات ومن ثم تحويل المجتمعات نحو نظام عالمى جديد تهيمن عليه قوة واحدة فقط.
وإذا كانت مصر قد أنقذت شعبها وأرضها فى ثورة 30 يونيه التى تكاتف فيها الجيش المصرى والبطل عبدالفتاح السيسى مع جموع الشعب والطبقة الوسطى التى تؤمن بالتعايش والتسامح والوسطية، وتفضل أن تظل مصر مرفوعة الراية مستقلة عن أى تخرب أو تطرف حتى إن كان ذلك باسم الدين أو الحريات والديمقراطية الخادعة، فإن مصر ما زالت تأمل أن تكتمل ثورتا يناير ويونيه؛ لتكون مصر رائدة فى المثل والقدوة وذلك بالتعددية الحزبية الحقيقية بقيادة حزب قوى وله أصول مثل حزب الوفد، وأن تكون حرية التعبير والإعلام إحدى أدوات النقد والبناء والمشاركة فى تأسيس الوطن المصرى الجديد، وألا تظل شبكات التواصل الاجتماعى هى المنفذ الوحيد المعبر عن الرأى العام وعن الرأى الخاص والمحرك والموجه لأن فى هذا خطورة على المستقبل وعلى الاستقرار والأمن الذى بدأنا ننعم به، ونأمل أن يستمر ويزدهر...
الثورات الجديدة فى أمريكا وروسيا وأوروبا تنذر بتحول عالمى فى الحياة السياسية والاقتصادية، وآثارها قد تبدو الآن هينة ولكنها كبيرة ومؤثرة، وقد تطيح بالعديد من الأنظمة العالمية، وتمتد آثارها إلى دول تعانى فساداً أو ديكتاتورية أو فقراً وجهلاً؛ لذا علينا أن ندرك أهمية وضرورة مشاركة الجميع فى الحفاظ على أمن وسلامة وتماسك الوطن.

عن(الوفد)

التعليقات