جواهر وسلطان.. القدوة النموذجية لجوهر الحب الحقيقي

كلما جاءت سيرة الاحتفال بالحب والعاطفة يخطر بالبال أشهر قصص العشق في العالم القديم والحديث مثل روميو وجولييت، كليوباترا ومارك أنتوني، عنتر وعبلة، قيس وليلى، كذلك أجمل ضريح في العالم تاج محل الذي بناه الإمبراطور شاه جاهان؛ تخليدا لذكرى حبيته وزوجته ممتاز محل، وغيرهم من أبطال العصر الحديث، مثل جاك وروز بطلي السفينة تيتانيك؛ فالسينما العالمية والعربية ذاتها عامرة بعشرات من قصص الحب الرومانسية، سواء بالأفلام أو بين بطلاتها وأبطالها الحقيقيين، التي يحفظها عن ظهر قلب كثير من المشاهدين في أنحاء العالم.

هل المأساة تُحيِي الحب؟!

لكن أغلب قصص العشاق أعلاه انتهت نهايات مأساوية، انتهت بالموت أو الفراق، ما أسهم في تخليد هذه القصص، وجعلها ترقى لمرتبة الأسطورة التي يُرددها الناس بإعجاب وولع لافت كأنهم يشتهون معايشة تلك التجارب التي قد تبدو خيالية أحياناً رغم واقعيتها.

لذلك يظل التساؤل يطرح نفسه- حتى وإن أجابت عنه الدراما العالمية بأسلوب ساخر في بعض المرات-: ماذا لو قُدر النجاح لقصص الحب هذه؟ ماذا لو لم يكن مصيرها الفراق؟ هل كانت هذه القصص ستظل خالدة كما هي الآن؟ هل كان هؤلاء العشاق سيظلون غارقين في الحب، من دون أن تُبدلهم الأيام والليالي؟

 

هذا بدوره يطرح تساؤلا عن الحب وماهيته، ما دُمنا نحتفل اليوم ١٤ فبراير بعيد الحب العالمي «الفالنتين داي» الذي اختلفت الروايات حول نشأته. لكن المدهش أن العالم أجمع، تقريبا، يحتفل به بطرق متعددة ومختلفة أحياناً، فإلى جانب إهداء الورود الحمراء، والهدايا على شكل قلوب، هناك ثقافات مثل اليابان وكوريا الجنوبية تقوم المرأة بإهداء الرجل الشوكولاتة في ذلك اليوم، بينما يقوم الرجل بالرد على هذه الهدية يوم ١٤ مارس الذي يُطلقون عليه «اليوم الأبيض»، في حين يُطلق على يوم ١٤ إبريل «اليوم الأسود» وهو يخص هؤلاء الذين لم يكن لهم حظ من الهدايا في الاحتفالين السابقين، بما يعني أنهم لم يصادفوا الحب!
من نفسك إلى نفسك..!

إذن، مَنْ يخلو قلبه من الحب كمَنْ يعيش يوماً أسودَ، وهو أيضاً ما يُفسر الانجذاب إلى أغاني الحب، وأفلام الحب، وقصص الحب بين النجوم والنجمات، وكأن روايات الحب، بقصصها وقصائدها وألحانها، ستظل للأبد ضوءاً جاذباً للروح في نفق التاريخ، يمنح البشرية أملاً متجدداً في قدرتها على الاستمرار على الرغم مما آلت إليه الأحوال من كوارث وأوبئة وحروب.

الحديث عن ماهية الحب يُوجب تأمل السؤال الأول: لو جمعت الظروف بين أشهر العشاق، وعاشوا سنوات عمرهم سوياً، فهل كان الحب سيبقى خالداً؟ ربما سينجح بعضهم، وربما تتحطم قصص الآخرين. كلٌّ حسب شخصيته وتكوينه، وبنائه الفكري والنفسي، وقدرته على العطاء والتضحية؛ لأن الحب في جوهره عطاء متبادل، وتضحية من دون انتظار أي مقابل. فالعشق- كما عرَّفه جلال الدين الرومي- هو تلك الرحلة التي تأخذك من نفسك إلى نفسك.

مع ذلك، شخصياً، أعتقد أن للحب أطواره ومراحله! إنه مثل طفل يتشكل جنيناً، ينمو، ويكبر، وربما يتخذ شكلاً آخر أكثر قوة وعاطفة، ليكون أشد رسوخاً، أو قد تُصيبه الشيخوخة مبكراً فيُصاب في مقتل. لكن في جميع الحالات، تقع المسئولية على عاتق الطرفين، قد يتحمل طرف ما نصيباً أكثر من الطرف الآخر بدافع الحب والتفاني، لكونه شخصية معطاءة بطبعها، لكن لا بد للطرفين من الشراكة لحماية هذا الحب والتعامل معه على أنه طفل هش يجب حمايته إلى أن يقوى ساعده، ويُصبح صلباً في مواجهة العواصف.

حين تتعانق الجذور

اللافت أن هناك شخصيات تدعي الحب، وتثير من حولها ضجيجاً إعلامياً، سرعان ما ينتهي بعد وقت قصير، ولن تترك خلفها إلا بعض الرماد، في حين أن هناك نماذج تعيش الحب الحقيقي طويلاً من دون ادعاء، وبعيداً عن أي شو إعلامي، مع ذلك حين تلتقي بأحد الطرفين ستشعر بأثر هذا الحب قوياً، لدرجة تذكرنا بقول جلال الدين الرومي: «سلام على كل عاشقين محبين لمقولة: كشجرتين يمر بيننا الناس، ولا يعرفون أن جذورنا تتعانق».

عناق الجذور هذا أقوى وأصدق أنواع الحب، إنه لا يعتمد على العاطفة الشبقية وحدها، وإنما يستند إلى لغتي القلب والعقل معاً؛ فكأن أحدهما يقول للآخر: «ممتلئ بك جلداً، دماً، وعظاماً، وعقلاً وروحاً، لا مكان لنقص رجاء، أو للرجاء، ليس بهذا الوجود إلاك».

حوَّمت من حولي بسعادة غامرة تلك الأفكار، بينما كنت أنُصت لحديث متلفز لسمو الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، يتطرق لعلاقته الجميلة بزوجته سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي سليلة المجد والحكمة، والتي أسهمت بجهودها المتعددة الخصبة في زيادة وعي المرأة الإماراتية- بالشارقة على الأخص- وتثقيفها، وحثها على تطوير مواهبها، وتعزيز ثقتها بنفسها، وتشجيعها على المشاركة الفعالة في تنمية مجتمعها في شتى المجالات. لذلك أيضاً كانت الدكتوراه الفخرية التي نالتها والتكريمات العديدة التي حصدتها سمو الشيخة جواهر من الجهات المتعددة - تعبيراً عن تثمين وتقدير مستحقين لتلك الجهود وعطاءاتها المستمرة في المجالات كافة وعلى الأخص تفعيل الدور الثقافي للمرأة كشريك للرجل في هذا المجتمع.

إخوان الصفا

فسر صاحب السمو استمرار أحاديثهما المشتركة التي لم تتوقف على مدار ما يقرب من أربعين عاماً، قائلاً: «هذا الحديث له شجون.. أولا؛ لو المرء اطلع على قصة (إخوان الصفا) سيجد أن كل واحد منهم كان يقرأ باباً، فيلتقون وكل واحد يُعطي الثاني. كذلك، أنا والشيخة جواهر مثل إخوان الصفا.. أنا أقرأ في مجال، وهى تقرأ في مجال آخر.. هى تشاهد التليفزيون.. تنظر للبرامج.. تقرأ على الكمبيوتر وتراجع أشياء.. تقرأ كتبا أدبية قد تفوتني قراءتها أحياناً.. تستخلص منها أشياء كثيرة.. كل هذه الأمور في الأدب نلتقي عليها.. كذلك أنا أقرأ كتب التاريخ وكتب الشعر. أنا ليس لي أصدقاء أتسامر معهم.. لأن هذا الإطار الذي أنا فيه- كحاكم- يجعلني محملا بمسئولية أعراض الناس، ومصير الناس وشرف الناس.. فهل تعلم أن مزحة الشيخ تظهر عند الآخرين جدا؟ لذلك مع الضحك والكلام قد تفلت كلمة فيقولون قال الشيخ.. فأنا لا أقول إنه ليس لي أصحاب، ولكن الأصحاب يكونون في مجالس رسمية حتى لا تخرج الكلمة، وحتى يكون عندي شهود على أني ما قلت شيئا يدعيه آخرون».

السند والشريك

ثم في طرف آخر من الحديث يُضيف صاحب السمو زاوية أخرى بالغة الأهمية في ترسيخ هذه العلاقة الزوجية قائلاً: «الناحية الثانية أن الشيخة جواهر في المواقف الحساسة، والمواقف التي تحتاج إلى الشجاعة هي دائما التي تقف موقفاً يُعضدني، وهذا يُشهد لها. هناك، أيضاً، أمر آخر لم أستطع أن أفعله لكنها تكفلت به، وهو المجلس الأعلى للأسرة، ومنذ البداية هى مسئولة عن مراكز الطفولة، الشباب، مراكز الفتيات، مسئولة عن أندية السيدات والتنمية الأسرية، عن المهرجانات التي يتم تنظيمها، مسئولة عن ملتقى الشباب العربي، ملتقى أطفال العرب، لذلك وقتها كله مشغول. لكننا نلتقي في الليل ونتناجى فنبكي من لعبة الحياة، فهي تطلعني على كثير من الأمور وتحدثني- من واقع المسئوليات التي تقوم بها- عن حياة الناس التي لا يطلع عليها البشر».

هذه الحديث الذي تفضل به سمو الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، عن علاقته المتينة بزوجته سمو الشيخة جواهر سليلة المجد والحكمة - يمنحنا القدوة النموذجية لجوهر الحب الحقيقي، وفي ذات الوقت يُذكرنا بمقولة الرومي: «الحُبُّ هو الجِسرُ الذي بينك وبينَ كُلِّ شيء. فليتهم يعرفون أن ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭﺍﻟﺘﻔﻬﻢ ﻫﻲ ﻣﺎ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﺑﺸﺮﺍ. إن جَمالاً واحداً يبقى للأبد، ولا يشيب، إنه جمال القلب».

(عن مصراوي)

التعليقات