لا حديقة ولا حيوانات

ذلك هو التوصيف الأمثل لما آلت إليه حديقة الحيوان بالجيزة، تلك التى كانت واحدة من أعرق وأجمل حدائق الحيوان بالعالم، انتهى بها الحال إلى مساحة ممتدة من بقايا أشجار عتيقة وحشائش متناثرة بإهمال ملحوظ والعديد من محال بيع المرطبات ولعب الأطفال الرديئة، ومئات من الباعة شبه الجائلين المتمركزين بكثافة ملحوظة فى كافة الأرجاء، تعلو دكاكينهم مكبرات للصوت تنادى على الزبائن الذين يتواجدون بأعداد معقولة فى المكان الذى مازالت تذكرة الدخول إليه خمسة جنيهات، وهو مبلغ ملائم لذوى الدخل المحدود والذين يبحثون عن نسمة الهواء والفرجة على الحيوانات والطيور التى انقرضت تقريبا بالحديقة ولم يعد بها إلا نماذج حية ضعيفة وهزيلة تكاد لا تقوى على الوقوف على أقدامها، أو تستند على أجنحتها.

اقتربت من أقفاص الأسود، التى رأيتها هزيلة إلى حد المرض، جميعها - وبلا استثناء- تفترش الأرض، ويبدو على وجوهها البؤس والجوع، أسود ولبؤات نحيفة جعلتها أشبه بالكلاب المريضة، سألت عن الأفيال فكان الجواب أن آخر فيل بالحديقة مات منذ سنتين ولم يأت غيره، الطيور النادرة التى كنا نراها فى الأقفاص ملونة مبهجة مغردة ذهبت إلى غير رجعة، الحديقة التاريخية التى تبلغ مساحتها ما يقرب من ثمانين فدانا يبدو أنها فى طريقها إلى الزوال، ستنقرض يوما ما كما انقرضت حيواناتها وطيورها الجميلة وتراجعت بحيراتها وبركها إلى ماء آسن تعلوه طبقة خضراء متعفنة، حتى البحيرة الوحيدة، التى قرر القائمون على الحديقة تأجيرها وتخصيصها لنزهة بالقوارب، انعدم معها الذوق وتشوهت بالألوان التى لطخت جوانب البحيرة، أما المكتبة الأثرية أو المتحف بالحديقة فحدث بلا حرج، فالعنكبوت يعشش على جدرانها وحوائطها مكونا نقطا داكنة لم تلفت نظر القائمين على الحديقة العريقة التى تعانى من الإهمال وعدم النظافة أو النظام، ولم تعد تملك إلا اسمها وماضيها الذى كان.

حرام أن نترك تلك الثروة القومية لهذا الإهمال، وأن نترك ذلك التاريخ للضياع. وتبقى دائما كلمة السر فى النجاح أو الفشل: الإدارة والمسؤولية والمحاسبة.

عن المصري اليوم

التعليقات