زواج الأنس والنمس

مشاهدة العمل السينمائى بعين المشاهد تختلف من متلقٍ إلى آخر، فكل يرى ويتابع وفق حالته ومزاجه وثقافته وزمانه ومكانه، لأن نظرية التلقى فى الفن والأدب تعتمد على محددات نفسية وثقافية وفكرية تجعلنا نرى صورة الموناليزا، كلٌّ من جانب وكلٌّ من وجهة نظر.. وفى فيلم «الإنس والنمس» للمخرج شريف عرفة والفنان محمد هنيدى نجد أن الطرح المبدئى فيلم كوميدى فى إطار رعب يذكرنا بأفلام أجنبية «فندق بنسلفانيا» الكرتونى عن زواج فتاة من الجن أو العفاريت الظرفاء ورجل بشرى، وتتابع كم التناقضات التى تنشأ من هذه الزيجة بصورة ساخرة ضاحكة للأطفال تقربهم من المجهول المخيف وتظهره بصورة محببة ضاحكة، ولكن فى فيلم شريف عرفة نجد أن القضية عميقة جدًا إذا قرأنا المشهد السينمائى منذ البدايات فى شخصية «تحسين» الذى يعيش حياة بلا حواجز أو خصوصية مع أفراد أسرته، فهو حين يدخل الحمام لقضاء الحاجة يتفاجأ بزوج أخته يستحم ثم أخته وابنها لتغسل له يده، وهنا يدق جرس الباب ليدخل المكوجى أيضًا ليسلمهم الملابس فى «الحمام» فى مشهد يدل على أن العورات والخصوصية أصبحت مباحة ومستباحة مع الأخت وزوجها اللذين يسجلان أدق تفاصيل حياتهما والأسرة ويذيعان هذا على النت والموبايل بصورة فجة ورخيصة تجعل حياة البشر كتابا مفتوحا ومفضوحا مثل الحمام..

وهذا البطل الضعيف الجبان الذى يدخل عالم الجن القبيح وقبيلة النمس التى هى أسوأ أنواع الجن الكافر، ومع هذا لا يصاب بأى خوف أو دهشة دائما وإنما تأخذه الحياة المرفهة والبذخ والأشكال والصور الغريبة الشاذة فى شكلها وصورتها، لا تشكل أى غرابة فى عقله أو فى قلبه وإنما يفرح بالسبيكة الذهبية والسرير والغرف الكبيرة، ولا تشغله مشاهد الخوف والرعب ورقصات الدم والموت، ويظل شبقًا لأن يتزوج تلك الجنية من النمس الذين سكنوا سابع أرض، فهم ليسوا من الجن والعفاريت المؤمنة كما فى أعمال «إسماعيل يـس والزجاجة» ولا «مصباح علاء الدين» و«الجنى والقمقم» الذى يحقق الأحلام ولا «عفريتة هانم» ولا عفريت أحمد مكى فى «طير إنت»، ولا ذلك العفريت الذى أتى بعرش بلقيس لسيدنا سليمان وإنما تلك العائلة والقبيلة المرعبة التى تجهر بكل الموبقات فى الحياة من فن هابط ودماء ونفاق وقتل وتجارة مخدرات وكل ما يهوى بالإنسان إلى أسفل سافلين، هذه الجنية «نرمين»، أو منة شلبى، تتزوج «تحسين» الإنسان لتحمل منه طفلًا يسمى «زعبل»، هو ذلك الجيل الجديد القادم نتاج زواج الإنس والنمس.. تلك هى الرسالة التى أرسلها شريف عرفة فى إطار كوميديا الرعب وشخصيات لا تحمل أى قدر من الضحك ولا تثير الابتسام أو تبعث روح الفكاهة أو حتى السخرية وإنما تقنيات بصرية وسينمائية وديكور وملابس يتصدر بطولة الفيلم أكثر من أى حوار أو سيناريو أو أداء تمثيلى لصابرين أو عمرو عبدالجليل أو منة شلبى، وحتى هنيدى كان مجرد صورة باهتة فى هذا الإطار السنمائى الفانتازيا المرعبة. الإنسان لم ولن يكون يومًا أصله «نمس وضيع»، وإنما التكنولوجيا والمادية والنفعية سوف تحول الإنسان إلى مسخ حين يتزوج تحسين الجبان التافه الطماع من نرمين الجنية النمسة... ليكون الجيل القادم بلا هوية وبلا إنسانية وبلا أصل سوى هذا النمس الجنى السفلى.. انتباه للقادم حتى لا نكون مثل السافل والتافه والواطى.. حراس مملكة النمس، كما قدمهم شريف عرفة فى الكوميديا السوداء

"عن المصري اليوم"

التعليقات