جمعة الغضب.. يوم انتصار الثورة

 

إنه اليوم الموعود الذى ستبدأ فيه الثورة طريق الانتصار، الحكومة استعدت جيدا بعد أن أيقنت أن الوضع أخطر مما كانت تعتقد، فى الفجر تم إلقاء القبض على معظم قيادات أعضاء مكتب إرشاد جماعة الإخوان من منازلهم، بعد أن أعلنت الجماعة أنها ستشارك فى المظاهرات، ودعت أعضاءها للنزول فى كل أنحاء مصر، كما تم تعليق خدمات الإنترنت والهواتف المحمولة التى تحولت إلى قطع حديدية خرساء.
ورغم كل ذلك، كانت الخطط واضحة وبسيطة للغاية: التوجه إلى المساجد التى تم الاتفاق على خروج المسيرات منها بعد صلاة الجمعة، ومشهد الصلاة بحد ذاته يحتاج إلى التوقف عنده، ففى نفس المساجد وفى نفس الساحات أمامها، كان الضباط الكبار يؤدون الصلاة جنبا الى جنب مع المتظاهرين، وتصافح الجميع: "حرما".. "جمعا"، ثم انطلقت الهتافات "تحيا مصر" وردد عشرات الآلاف الهتاف نفسه، وفى خلال دقائق تجمع عشرات الألوف فى معظم ميادين مصر، ولكن الأنظار كانت متجهة أساسا إلى جامع الاستقامة فى ميدان الجيزة، حيث سيؤدى الصلاة الدكتور محمد البرادعى الذى كان وصل القاهرة في اليوم السابق فقط، مع عدد من قادة الجمعية الوطنية للتغيير وحركة كفاية.
ويروي الدكتور محمد أبو الغار المشهد بقوله: "لم نستطع أساسا الخروج إلى عشرات الأمتار، ومنعتنا حواجز الأمن المركزى من التحرك نحو ميدان التحرير، وفشلت الاتصالات من رجال الشرطة، ولم يكن مسموحا بتقدم المسيرة خطوة واحدة عن الميدان، ومع اشتداد الهتافات التى تم إعدادها مع مئات الاعلام والشعارات، والإصرار على تجاوز حاجز الشرطة، تم استخدام العصي وخراطيم المياه ثم الغازات المسيلة للدموع، وعاد من استطاع إلى الجامع بمن فيهم الدكتور البرادعى، ثم بعد احتجاز لأكثر من ساعة وصلت النجدة، ممثلة فى مظاهرة ضخمة لشباب الاولتراس من فيصل والعمرانية، ودخلت فى معارك عنيفة مع الشرطة، اعتلى خلالها الشباب كوبري الجيزة، وأمطروا الشرطة بالحجارة، وبعد ساعة أخرى انهارت قوات الشرطة، وفتح الشباب الحصار وخرج المحاصرون من الجامع، واتجهنا إلى التحرير، ولكن كان هناك طوق أمني آخر عند كوبري الجلاء، ومعركة أخرى ساخنة انتهت بالوصول إلى ميدان التحرير".
كان المشهد فى الميدان بعد ساعات من الاشتباكات مع الشرطة، يشير الى ميدان حرب، حدثت معارك عنيفة فى الميدان انتهت بانسحاب الشرطة، وأصبح الميدان فى يد الثوار الذين فوجؤا بهذا المشهد، فيما كانت معارك أخرى تجري فى السويس والإسكندرية والمحلة التى شهدت سقوط أول شهيد وأول صور لمبارك، وبدأ ترديد شعارات أكثر جذرية، وارتفع لأول مرة شعار الشعب يريد إسقاط النظام، وطالت الهتافات مبارك وأسرته.
وفى مواجهة حالة انهيار الشرطة حوالى الساعة الخامسة، تم إعلان حظر التجوال واستدعاء الجيش للنزول إلى الشوارع، بعدما جرت عمليات سرقة طالت محلات كبرى وماكينات الصرف الآلى، وتمت مهاجمة أقسام الشرطة فى كل مكان، خاصة فى الوايلى والسيدة زينب والمطرية، وسقط عدد كبير من القتلى والمصابين.
وفى المساء بدأت خطط السيطرة على الميادين الكبرى التى تم احتلالها، وبدأت عملية نصب الخيام للمبيت، ولم ينفذ عمليا حظر التجوال، وبدأت اللجان الشعبية فى حراسة المنازل والمحال والأماكن العامة، وتواجد طلائع قوات الجيش والشرطة العسكرية، والتى قوبلت بالترحاب، وبعد يوم طويل كسبت الثورة أهم جولاتها، وبدأ التغير فى توقعات الأحداث فى ظل ردود الفعل الدولية التى دعمت الثورة الوليدة، ونقلت الفضائيات مشاهد الثورة وخاصة قناة الجزيرة التى كانت تنقل كافة التفاصيل، وبدا أنها جزء من الثورة، حيث خطاب التحريض والتحفيز لمواصلة التمسك بالتحرير والميادين، ومن خلالها عاد التواصل بين القوى السياسية عوضا عن قطع الاتصالات الهاتفية، وتطلع العالم إلى مصر التى تصنع تاريخا جديدا فى ميدان التحرير، فيما تسربت أنباء فى المساء عن اقتحامات للأقسام والسجون، وإلى عبور المئات من أفراد حماس الحواجز فى رفح للدخول إلى مصر .
فشلت الشرطة وفشلت الخطة ١٠٠، ورغم عشرات الشهداء والقمع الضخم والوحشي فى أماكن كثيرة، بدا أن الثورة ستنتصر وأن النظام أصبح عاجزا عن إيقاف الملايين الذين خرجوا، وهم ليسوا من الوجوه التقليدية التى كانت تخرج للتظاهر، إنه الشعب الذى يتظاهر الآن، وهذا أخطر سيناريو لم يتوقعه النظام، الذى خسر معركة جمعة الغضب، ولكنه لم يخسر كل الحرب حتى الآن.
التعليقات