"ريو 2016".. حصيلة عربية متواضعة رغم الطموحات

ذهبية واحدة وثلاث فضيات.. هكذا كانت حصيلة ألعاب القوى العربية في دورة الألعاب الأولمبية (ريو دي جانيرو 2016) رغم الطموحات الكبيرة التي سبقت القوى العربية إلى مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية.
 
وغاب التوفيق عن ألعاب القوى العربية رغم كونها صاحبة نصيب الأسد من الميداليات العربية في تاريخ دورات الألعاب الأولمبية السابقة.
 
ورغم نجاح الرياضيين والرياضيات العرب في حصد ميداليات مختلفة في رياضات واختصاصات لم تكن ضمن نقاط التفوق العربي في دورات سابقة، ساهمت ألعاب القوى هذه المرة في استمرار التواضع في الحصيلة العربية ليقتصر الرصيد العربي على 15 ميدالية متنوعة منها ثلاث ذهبيات ومثلها من الفضية بخلاف تسع برونزيات.
 
والحقيقة أن أولمبياد ريو 2016 شهد تحطيم الرقم القياسي لعدد الميداليات التي تحصدها البعثات العربية في أي دورة من الدورات الأولمبية.
 
وتفوقت الدورة الحالية على أولمبياد سيدني 2000 التي شهدت إحراز 14 ميدالية عربية وذلك مع إضافة الذهبية التي حصدها الرامي الكويتي فهيد الديحاني والبرونزية التي حصدها مواطنه عبد الله الرشيدي في منافسات الرماية أيضا رغم فوزهما بالميداليتين تحت العلم الأولمبي في ظل الحظر المفروض على بلدهما.
 
ورغم هذا، ظلت الحصيلة زهيدة ومتواضعة مع مقارنتها بعدد البعثات العربية التي تمثل أكثر من 20 دولة عربية من القارتين الأفريقية والأسيوية.
 
ووصف الدكتور حسن مصطفى رئيس الاتحاد الدولي لكرة اليد الحصيلة العربية من الميداليات في ريو دي جانيرو 2016 بأنها لا تليق بمستوى الدول العربية التي تمتلك الإمكانيات التي تؤهلها لحصد أضعاف هذا الرصيد من الميداليات.
 
وأرجع مصطفى الحصاد المتواضع من الميداليات للدول العربية في الأولمبياد إلى غياب التخطيط طويل الأمد لدى المؤسسات الرياضية بالمنطقة العربية على عكس ما هو عليه الحال في أوروبا وأماكن أخرى من العالم حيث توضع خطط طويلة المدى يتعاقب على تنفيذها أكثر من مجلس إدارة في كل مؤسسة أو اتحاد رياضي ليبني كل مجلس على ما وصل إليه سابقوه بمبدأ استكمال العمل وتطويره.
 
وقال الدكتور حسن مصطفى، إنه يرى أن المشكلة لدى الرياضة العربية ليست مالية لأن الدول العربية في مجملها لا تعاني مشاكل مالية فيما تعانيها بلدان أخرى تغلبت على هذه المشكلة وحصدت رصيدا أفضل من الميداليات.
 
وأوضح: "المنطقة العربية لديها كم كبير من المواهب الرياضية والإمكانيات كما سنحت لها الفرصة لاستقدام المدربين والخبرات الأجنبية من كل أنحاء العالم. ولهذا، أرى أن مشكلتنا الأساسية تتعلق بالتخطيط والالتزام بتنفيذ هذه الخطط والتعاون سويا لتبادل الخبرات والإمكانيات".
 
وأضاف: "كما نواجه مشكلة أخرى في المنطقة العربية تتمثل في أن البعض يمنح الأولوية لمدربي المنتخبات في الألعاب الجماعية لضم اللاعبين في أي توقيت ولأي فترات على حساب مشاركاتهم مع أنديتهم رغم أن بطولات الدوري المحلية وبطولات الأندية تمثل المطبخ الرئيسي وورشة العمل المهمة التي يجب أن تفرز أفضل اللاعبين للمنتخبات".
 
وأكد مصطفى أنه من الضروري أن تكون الحصيلة العربية أفضل كثيرا مما هي عليه في الدورات الأولمبية التي أقيمت حتى الآن.
 
وعلى مدار تاريخ المشاركات العربية في دورات الألعاب الأولمبية ، كانت ألعاب القوى هي المصدر الأبرز للميداليات التي حصدها الرياضيون العرب في مشاركاتهم المختلفة.
 
وقبل انطلاق أولمبياد ريو 2016 كان القدر الأكبر من التوقعات فيما يتعلق بالميداليات العربية معقودا على أم الألعاب.
 
وخلال المشاركات السابقة للعرب في الدورات الأولمبية حتى أولمبياد لندن 2012، اقتصر الحصاد على 94 ميدالية متنوعة منها 23 ذهبية و24 فضية و47 برونزية ولكن القدر الأكبر من الميداليات الذهبية جاء عن طريق ألعاب القوى حيث بلغ حصاد أمام الألعاب 13 ذهبية من بين 38 ميدالية متنوعة حصدها رياضيو العرب في ألعاب القوى بالدورات الأولمبية.
 
ورغم هذا، لم يضف أولمبياد ريو إلى حصيلة ميداليات القوى العربية سوى أربع ميداليات إحداها ذهبية مقابل ثلاث فضيات فيما واصلت ألعاب القوى المغربية تراجعها بعدما كانت بمثابة رأس الحربة للقوى العربية في نسخ سابقة من الدورات الأولمبية.
 
ورغم النظرة القاتمة التي سيطرت على عدد من البعثات العربية قبل المشاركة في أولمبياد ريو وسط ظروف صعبة مرت بها عدة بلدان عربية في السنوات الأخيرة وهو ما ألقى بظلاله على الاستعدادات للأحداث الرياضية الكبيرة وفي مقدمتها الأولمبياد ، كانت الترشيحات كبيرة لحصد أكثر من ميدالية متوقعة مع انتظار المفاجآت الأخرى التي كانت مصدر للعديد من الميداليات العربية خاصة في الدورات الأولمبية الأخيرة.
 
وبالفعل، لم يختلف الحال كثيرا حيث لاقت بعض التوقعات نجاحا مثلما هو الحال في فضية القطري معتز برشم بمسابقة الوثب العالي وفضيتي الجزائري توفيق مخلوفي في سباقي 800 و1500 متر فيما خابت التوقعات لرياضيين آخرين خاصة على مستوى السباحة التي خرجت صفر اليدين من هذه الدورة الأولمبية.
 
وأرجح الناقد الرياضي المصري أيمن بدرة رئيس تحرير جريدة "أخبار الرياضة" المصرية هذا الحصاد المتواضع، والذي وصفه بأنه "غير كاف" إلى غياب بصمة دول تعودت في الماضي على حصد بعض الميداليات ومنها المغرب التي قدمت للعرب في الماضي نجوما ساطعة في عالم ألعاب القوى مثل سعيد عويطة ونوال المتوكل.
 
وأشار بدرة إلى أن الحصيلة في ريو قد تبدو "معقولة" في ظل الظروف التي شهدتها بلدان عربية عدة مثل العراق وسورية وليبيا وتونس واليمن بالأحداث التي مرت بها هذه البلدان في السنوات الماضية وتأثير الظروف الاقتصادية والسياسية على استعدادات الرياضيين من هذه البلدان بل وتأثير الحرب في اليمن وسورية على الموارد المالية في بلدان أخرى كالسعودية والإمارات.
 
وأكد بدرة: "في نفس الوقت، لا يجب أن ننسى وجود وافدين جدد على خريطة الميداليات العربية وهو أمر إيجابي حيث أحرز أحمد أبو غوش ذهبية في التايكوندو لتكون أول ذهبية أردنية في الدورات الأولمبية".
 
وأعرب بدرة عن حزنه في أن تتسبب بعض الأمور والمشاكل الداخلية في عدم رفع علم الكويت أو عزف السلام الوطني لهذا البلد بسبب الحظر المفروض عليها.
 
وعن الحصيلة المصرية، قال بدرة إنه مع إيقاف نجم الرمح إيهاب عبد الرحمن بسبب المنشطات والظلم التحكيمي الذي وقع على بعض الرياضيين مثل الملاكم حسام بكر فإن الحصيلة المصرية وهي ثلاث برونزيات تبدو في معدلها المعتاد خاصة مع إضافة الأرقام الجيدة لسباحي مصر في هذا الأولمبياد.
 
وأشار إلى أن العديد من الرياضيين المصريين اتسموا بصغر السن وما زال أمامهم مستقبل جيد ولكن يجب أن يتمتعوا وكذلك باقي الرياضيين العرب بمزيد من الدعم واستمرارية التخطيط وهو ما لن يتحقق إلا من خلال استقرار الأحوال السياسية والاقتصادية في البلدان العربية ونبذ الخلافات الشخصية في المؤسسات الرياضية حتى لا تظل معظم الإنجازات عبر طفرات فردية يعتمد فيها أصحابها على مقوماتهم الشخصية بعيدا عن التخطيط طويل الأمد.
 
ومرة أخرى، كانت المفاجآت مصدرا للعدد الأكبر من الميداليات العربية مثل ميدالية الرشيدي في الرماية وميداليات الأردني أحمد أبو غوش والتونسي أسامة الوسلاتي في التايكوندو والتونسية مروى العامري في المصارعة ومواطنتها إيناس البوبكري في المبارزة والمصرية سارة أحمد في المصارعة والمغربي محمد الربيعي في الملاكمة.
 
وقال الإعلامي التونسي مصطفى الفارادي: "من الإيجابيات أن أردنيا من أصول فلسطينية أحرز ميدالية ذهبية وهو إنجاز كبير وأن العديد من الرياضات الفردية مثل التايكوندو والمبارزة تمثل اختصاصات جديدة على الميداليات العربية في الأولمبياد".
 
وأضاف: "الشيء الإيجابي أيضا هو تألق الرياضيات العربيات. كما يلاحظ الاهتمام بالرياضات الفردية التي حصدت العديد من الميداليات في هذا الأولمبياد وعدم إنفاق الميزانيات على الرياضات الجماعية التي تكلف الكثير بلا جدوى".
 
وأوضح: "أرى أن حصد معظم هذه الميداليات يميل للصدفة أكثر منه نتيجة تخطيط استراتيجي. معظم الرياضيين العرب الذين أحرزوا ميداليات يعانون من ظروف صعبة... والنجوم الذين كانوا مرشحين لم يحرزوا شيئا.. هذه الميداليات تحسب أكثر لإرادة الرياضيين وليس للجان الأولمبية العربية أو المسؤولين".
 
التعليقات