"ريو 2016".. كثير من المشاكل قليل من البريق

 

 

حفل ختام رائع وبعض عبارات الإشادة من الألماني توماس باخ، رئيس اللجنة الأولمبية الدولية قد تمنح دورة الألعاب الأولمبية (ريو دي جانيرو 2016) النهاية السعيدة، التي يريدها المنظمون وأبناء البلد، الذي استضاف أول أولمبياد يقام في قارة أمريكا الجنوبية، لكن المؤكد أن هذه الأمور لا يمكنها محو كل هذا الكم من المشاكل والسلبيات، التي اتسمت بها الدورة، لتكون واحدة من أكثر الدورات الأولمبية إثارة للجدل، إن لم تكن أكثرها على الإطلاق.

وأعلن باخ مساء أمس الأحد نهاية فعاليات أولمبياد ريو رسميا، في نهاية حفل الختام، الذي أقيم باستاد "ماراكانا"، ليتم إطفاء المرجل الأولمبي بعدها.

ووصف باخ أولمبياد ريو 2016 بـ"الرائع" وكرر في كلمته أمام الحضور باللغتين البرتغالية والإنجليزية، عبارة "كانت دورة أولمبية رائعة في مدينة رائعة".

ورغم هذا يدرك الرياضيون والمسؤولون والإعلاميون الذين شاركوا في هذه الدورة أنها قد تكون رائعة في ظل الظروف التي سبقتها، لكنها ليست رائعة من حيث المقارنة مع الدورات الأولمبية السابقة، خاصة بكين 2008 ولندن 2012، كما أنها لا تبدو رائعة قياسا بما شهدته من مشاكل وسلبيات.

وقبل انطلاق فعاليات الدورة الأولمبية الحادية والثلاثين في ريو، تركزت معظم المخاوف على التهديدات الأمنية التي قد تتعرض لها فعاليات الدورة أو الزائرين.

ولكن فعاليات الدورة على مدار أكثر من أسبوعين كشفت عن الكثير من السباح الأمريكي مايكل فيلبس والعداء الجامايكي أوسين بولت.

وما بين المخاوف الأمنية والتواضع الواضح في العديد من المنشآت الرياضية التي استضافت الدورة، شهد أولمبياد ريو العديد من السلبيات كان في مقدمتها تعدد الشكاوى من مستوى الإقامة في القرية الأولمبية وكذلك حالات السرقة التي حدثت داخل القرية الأولمبية وفي عدد من أماكن إقامة المنافسات وخارجها.

هذا بالإضافة إلى التغير المثير للجدل في لون المياه بحوض السباحة المخصص لفعاليات الغطس وتعرض حافة تقل بعض الإعلاميين للاعتداء خلال مرورها بمنطقة "مدينة الله" إحدى مناطق العشوائيات في البرازيل.

وإلى جانب تأكيده على أن أولمبياد ريو "رائع" ، كان توماس باخ صرح مؤخرا بأن هذا الأولمبياد لا ينظم بمعزل عن الواقع وإنما يتم تنظيمه على أرض الواقع وفي مدينة تعاني حاليا من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية.

وعندما فازت ريو دي جانيرو في 2009 بحق استضافة الأولمبياد ، كان الاقتصاد البرازيل صاعدا بقوة حيث كان سابع أفضل اقتصاد في العالم ولكن البرازيل تمر حاليا بأسوأ فترة كساد اقتصادي في تاريخها منذ الثلاثينيات من القرن الماضي.

وألقت المشاكل السياسية والاقتصادية في البرازيل خلال السنوات الأخيرة بظلالها على استعدادات الدورة مما أسفر عن كل هذه المشكلات والسلبيات التي أحاطت أولمبياد 2016 .

وقال الدكتور حسن مصطفى رئيس الاتحاد الدولي لليد : "المشاكل لا تقتصر على دورة أولمبية دون غيرها فالعديد من الدورات الأولمبية والبطولات العالمية في مختلف الرياضات تشهد بعض المشاكل.. وفي دورة أولمبية تشهد 28 رياضة مختلفة لكل منها متطلباتها ومشاكلها، من الطبيعي أن تظهر العديد من المشاكل في البداية".

وكشف رئيس الاتحاد الدولي لليد عن اثنتين من أبرز المشاكل التي ظهرت في بداية هذه الدورة الأولمبية.

وقال مصطفى : "عانينا في البداية من مشكلة كبيرة تتمثل في أرضية الملعب بقاعة (فيوتشر آرينا) التي تستضيف جميع مباريات مسابقة كرة اليد على مستوى الرجال والسيدات. فوجئنا بعد بداية فعاليات المسابقة بوجود هبوط واضح في أجزاء عدة من أرضية الملعب مما دفعنا إلى الاجتماع باللجنة الأولمبية الدولية واللجنة المنظمة للأولمبياد وطالبنا بتغيير أرضية الملعب".

وأوضح : "رغم صعوبة الأمر نظرا لإقامة المباريات بشكل يومي على هذا الملعب بالتبادل اليومي بين مباريات السيدات والرجال ، أصر الاتحاد الدولي لليد على أن يلبي المنظمون هذا الطلب وحذرنا وأكدنا للمنظمين أن المسابقة ستلغى بشكل فوري في حال التباطؤ في استبدال الأرضية خاصة وأن أكثر ما يهمنا هو سلامة اللاعبين واللاعبات وهو ما لن نتنازل أو نتراجع عنه أبدا".

وأشار : "وبالفعل ، لجأ المنظمون لتغيير أرضية الملعب بعد منافسات اليوم الثالث مباشرة لتستمر المسابقة بعد التغلب على هذه المشكلة".

وأضاف : "موضوع الانتقالات أيضا كان مشكلة في البداية ولكن تم التغلب عليها في الأيام الأولى حتى سارت الأمور على ما يرام".

ورغم ثقافة هتافات وصفارات الاستهجان التي اتسمت بها جماهير السامبا في المدرجات ، كان التواجد الجماهيري في المدرجات متباينا حيث امتلأت المدرجات عن آخرها في المنافسات التي شهدت الرياضيين البرازيليين والمنتخبات البرازيلية المختلفة فيما كان الحضور الجماهيري أقل كثيرا في المنافسات التي يغيب عنها الرياضيون البرازيليون.

وبخلاف هذا ، احتشدت الجماهير في المدرجات في المنافسات التي شهدت كلا من السباح الأمريكي فيلبس والعداء الجامايكي بولت حيث بدا النجمان الكبيران منافسين قويين للاعب كرة القدم البرازيلي الشهير نيمار دا سيلفا على لقب "نجم الشباك" حتى خطف نيمار الأضواء من الجميع بإحرازه أمس الأول السبت الميدالية الذهبية لمسابقة كرة القدم مثلما فعلت مواطنته رافاييلا سيلفا في بداية فعاليات الدورة عندما أحرزت ميدالية في منافسات الجودو.

وقالت الإعلامية المصرية إيناس مظهر ، في تصريحات خاصة إلى (د.ب.أ) ، إن نسبة الحضور الجماهيري تمثل إحدى السلبيات لأن الحضور كان متواضعا في المدرجات بالنسبة لمنافسات دورة أولمبية ولم يكن الحضور رائعا إلا في المنافسات التي تشهد البرازيليين.

كما أشارت إلى أن التنظيم يبدو متواضعا للغاية إذا ما قورن مع دورات أولمبية أخرى ولكنه يظل "مقبولا" في ظل الظروف التي سيطرت على البرازيل في الآونة الأخيرة.

وقالت مظهر : "بذل المنظمون قصارى جهدهم للتغلب على المشاكل في ظل الظروف والإمكانيات المتاحة ولكن هذا لا يمكنه إخفاء بعض الأمور مثل الإمكانيات المتواضعة داخل القرية الأولمبية حتى وإن كان مظهر القرية رائعا من الخارج".

وأشارت مظهر أيضا إلى أنه من بين السلبيات الواضحة كان عدم الترويج الكافي للدورة داخل البرازيل حيث كانت هناك القليل من الدعاية للدورة في شوارع المدينة وفي أماكن قليلة للغاية.

وأضافت أن الإعلاميين قد يكونوا الأكثر اكتشافا للسلبيات بحكم مشاهداتهم السابقة لأحداث رياضية كبيرة مثل بطولات كأس العالم والدورات الأولمبية.

وقالت : "على سبيل المثال ، كثرت الشكاوى في بداية الدورة من الحالة السيئة لقاعات عمل الإعلاميين الملحقة بالمواقع الرياضية المختلفة والخدمات المتواضعة في هذه القاعات وهو ما عبر عنه جياني ميرلو رئيس الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية في مقابلته مع المنظمين وطالب بتحسين هذه الخدمات. ورغم تحسنها نسبيا ، ظل مستوى هذه الخدمات أقل كثيرا من نظيرتها في الأحداث الرياضية الضخمة السابقة".

وأشارت : "ربما لم تكن الانتقالات في أفضل حالاتها ولكنها لم تكن مشكلة كبيرة وتحسنت تدريجيا.. لكن المشكلة الكبيرة كانت في غياب التفاهم والتواصل بشكل كبير بين الضيوف والمشاركين والزائرين من ناحية والمتطوعين من ناحية أخرى بسبب عامل اللغة الذي كان عائقا كبيرا في هذه الدورة حيث يتكلم معظم المتطوعين البرتغالية فقط فيما تقتصر اللغات الأخرى على المتطوعين من خارج البرازيل وهم بدورهم لا يجيدون البرتغالية لينضموا بهذا إلى صف الزائرين في عدم القدرة على التواصل مع البرازيليين.. وكان من الممكن التغلب على هذه المشكلة بوضع برنامج خاص لتعليم المتطوعين اللغات الأخرى على مدار السنوات التي أعقبت فوز ريو دي جانيرو بحق الاستضافة".

وأضافت : "الأمن كان متواجدا بكثافة في كل مكان وقد يرى البعض أنه أمر مبالغ فيه ولكن يمكن التماس العذر للبرازيليين بسبب المخاوف الأمنية التي سبقت الدورة".

والآن قد يكون التحدي الحقيقي الذي تواجهه اللجنة الأولمبية الدولية في المستقبل هو مراعاة ألا تتكرر مثل هذه المشاكل في الدورات التالية مع الوضع في الاعتبار ضرورة استمرار سياسة منح الفرصة لدول أخرى للاستضافة غير الدول التي نظمت الدورات الأولمبية السابقة.

وقد يكون أحد الحلول الممكنة هو تعيين مدن بديلة في دول أخرى حال الفشل في الوصول لأتم درجات الاستعداد قبل وقت كاف من موعد انطلاق هذه الدورات الأولمبية أو فتح الباب أمام فكرة التنظيم المشترك مثلما هو الحال في بعض بطولات كأس العالم وكأس أمم أوروبا لكرة القدم.

 

التعليقات