انفراد بالفيديو.. لأول مرة الكشف عن تفسير طه حسين للقرآن الكريم

أطلق الكاتب والمؤرخ د.خالد عزب قناة "ثقافة وكتب" على اليوتيوب، مستهدفا نشر المعرفة والثقافة والتراث عبر عدد من الحلقات التي تذاع تباعا، وقد بدأ بحلقة عن كتاب لم ينشر لعميد الأدب العربي د.طه حسين هو كتاب "دنيا القرآن" الذي اكتشف أخيرا لدى أسرته ويمثل تفسيرا موضوعيا للقرآن الكريم، بدأه طه حسين ـ وفقا لعزب ـ بمحاضرة سنة 1943 في جمعية الشبان المسلمين في الإسكندرية، ثم وعد بأن يعد تفسيرا للقرآن.

يقول د.عزب إن الكتاب تميز بأسلوبه الرصين الذي ينساب عذوبة وسهولة بألفاظه المسجوعة ذات النغم الموسيقي الأخاذ، فيأتي في سياق الأسلوب الذاتي الذي كان عليه أسلوب طه حسين، ويكشف مضمون هذا الكتاب عن الفترة الزمنية التي أُلّف فيهاوهي منتصف الأربعينيات من القرن العشرين، وجاء بعد تأليفه لكتاب "مستقبل الثقافة في مصر".

ويشير إلى قول طه حسين في مطلع كتابه "إنه إلمامة ببحوث قرآنية أحسست أن المسلمين بحاجة إلى تدبرها والإفادة منها في معمعة الانقلابات الكبرى التي تجتاح العالم في أعظم معتركاته وأغلظ أزماته وأوغر مفاداته". 

ويقول إن الكتاب يطرح عددا من التساؤلات عن فكر طه حسين: هل كان طه حسين يمثل الرجل المحافظ الذي له ولاؤه للتراث العربي الإسلامي أم أنه من رجالات الاستشراق وتلامذتهم، وكان مرتميا في أحضان حضارة الغرب متشككا في ثوابت دينه، ومصطدما برجال الدين في الأزهر الشريف؟ في حقيقة الأمر طه حسين لم يكن هذا ولا ذاك، كان يعبر عن ذاته ومواقفه وعن رؤيته للإصلاح داخل المؤسسة الأزهرية وإصلاح بلده في ذات الوقت، لذا لم يكن ناقد للأزهر فقط، ولكن كان ناقدا للجميع، كان نقده في عنفوان شبابه نقدا حادا، وحينما رسخ وثبت وتمكن من أدواته بدأ ينتج إنتاجا فكريا أكثر عمقا ودلالة من ذي قبل".

ويضيف "بدا طه حسين في هذا الكتاب متفائلا بأن يتحقق الحضور الحضاري للثقافة العربية الإسلامية فهو يقول في الكتاب: وليعلم من أصابهم الوهن من قادة المسلمين أن الإسلام يرتقي الآن من جديد هضبة الصعود نحو القمة كما هو حقه الذي ظهرت دلائله وسطعت براهينه وطال انتظاره والويل لمن وقف منهم في سبيل هذا الصعود واعترض هذا المحتوى المحتوم وحذري لم يتقرف هذا الإثم العظيم من وبال يوم مقسم". ويوضح عزب أن حسين في كتابه يدافع عن الأزهر فيقول "وأي الجامعات أعظم من الأزهر وأعرق تاريخا وأبعد أثرا وأقوى نفوذا، وأي العلوم أغزر من علوم الإسلام وأبلغ منها درسا وأي الفنون أزهى من فنونه وأكثر منها جلالا".

ويعدد عزب المواضع التي امتدح فيه طه حسين الأزهر ورجالاته ودوره الإقليمي والعالمي، وقال إن موقفه من الأزهر الشريف أنه قلعة للعلم والعلماء والتراث العربي الإسلامي، ولكنه كان ضد المدرسة التقليدية التلقينية، وكان مع تجديد الفكر وإدخال التحديث في الأزهر، وهو ما حدث لاحقا، كان في تلك الفترة يرتبط ارتباطات وطيدة مع عدد من علماء الأزهر ومشايخه ومنهم الشيخ المراغي الذي تبادل معه الرسائل وغيره".

ويلفت عزب إلى دفاع طه حسين عن ثقافته الإسلامية نافيا عن نفسه التعصب فيقول: وما أنا بالمتعصب ولا بالمتعنت، فقد ثقفت من الأديان آدابها ووعيت فلسفاتها واختلفت إلى معابدها وتذوقت ثمارا طيبة على فروع أشجارها، بل اصطفيت لنفسي من أهلها من اصطفيت ووددت من أتباعها من وددت، على راحة في دخلية القلب وهوى في قرارة النفس". ويواصل عزب على مدار 30 دقيقة الكشف عن الرؤى والأفكار والقضايا التي طرحها طه حسين في الكتاب ومنها وقوفه على الإعجاز اللغوي والجمالي للقرآن والقصص القرآني، وضع المرأة في الحضارة الإسلامية ومقارنته مع وضع المرأة.

أما فى خاتمة الكتاب- التى يصفها الدكتور خالد عزب بـ«الفريدة»- فيقول فيها طه حسين: «لك الحمد يا إلهى على ما وفقتنى.. ولك الشكر يا أبتِ على ما ثقفتنى.. ولك الفضل يا حروف الدهر على ما علمتنى.. ولكما المدح يا بنيّاى على ما شددتما من عزمى، وقويتما من جهدى، بدائم سؤالكما ودائب حثكما، طوال عامين كدت فى ثناياهما أن أنوء بالحمل وأن أنثنى بالعبء.. ولك الفضل يا كتبى يا أنيسة تأملاتى.. ولك المجد يا قلمى، يا رفيق أفكارى فى جولانها فى دنيا الفكر، ويا سفينة أسفارى فى جوبانها خضم الحياة.. وطوبى لكم يا أصحابى يا من عرفت فيهم صفاء الجواهر، ونقاء الجداول ومضاء الشهب اللوامع.. وصبرًا جميلا عليكم، بل عفوًا كريما عنكم، يا أعدائى، يا من عرفت فيهم ما هدانى الله إلى اجتنابه، ووقانى شرّ مغبته وسوء مآبه».

ويتابع: «أما بعد فيما كتابى هذا الذى هدانى الله إلى إتمامه، ووفقنى إلى ختامه ببحوث قرآنية أحسست أن المسلمين بحاجة إلى تدبرها والإفادة منها، وهم فى معمعة الانقلابات الكبرى التى تجتاح العالم فأعظم معتركاته وأغلظ أزماته وأوعز مغازاته.. ورجائى أن أكون قد وصلت إلى فتح مصاريعها لمن هم أكثر منى علمًا وأنضج رأيًا وأغزر مادة وأوفر مجالاً وأفصح قالاً.. وحسبى أن ما أديت هو من فضل الله علىّ فله العزة ومنه النوال، ولعرشه العظيم الرفعة والجلال».

مع خاتمة طه حسين، يختتم الدكتور خالد عزب حديثه قائلا: فى رأيى أننا فى أمس الحاجة إلى إعادة قراءة الدكتور طه حسين اليوم، فالعديد من أعماله لم تأخذ حظها بعد، وهناك تراث لطه حسين مازال متناثرا فى مجلات وصحف لم يجمع إلى الآن بصورة شاملة، لذا فهذا مشروع أدعو من يقدر عليه أن يقوم به، إذ بهذه المقالات التى جمع بعضها ولم تجمع ككل تكتمل الصورة الإبداعية والبحثية لطه حسين.

 

التعليقات