هل هي حقاً تفاهات ؟! .. مصطفى حمدي يكتب عن جوني وآمبر ..

قُل أنها تفاهة، ولكنه الواقع الذي نعيشه عبر مواقع التواصل الاجتماعي. أصبحت أخبار المشاهير الشخصية تتصدر محركات البحث المختلفة، تجدها على رأس "التريند" هنا وهناك، يلهث الناس وراءها ويتفاعلون معها وكأنهم شركاء في صنع القصة.


على مدار الأشهر الماضية أثبتت التجربة أن الناس عادة لا تهتم بالمنتج الفني الذي يقدمه هؤلاء المشاهير، بل بأخبارهم الشخصية ، مشاكلهم العائلية، مشاجراتهم ، زيجاتهم وطلاقاتهم، ولا فرق هنا بين متلقي عربي وغربي !

شيرين عبد الوهاب أصدرت منذ عدة أشهر ألبومًا بطريقة "الري بالتنقيط" التي أصبحت سمة أغلب المطربين، كل أسبوع أغنية تقريبًا، لم يتحدث الجمهور عن محتوى الأغاني، ولكنهم تحدثوا وتفاعلوا مع أخبار طلاقها من حسام حبيب، وتورطت الصحافة في تجاهل الفن والركض وراء النميمة .
نفس الأمر تكرر مع قصة قضية جوني ديب وطليقته آمبر هيرد، التي تصدرت محركات البحث في العالم، وأقتحمت قائمة الأخبار الرئيسية في أغلب المحطات والبرامج التليفزيونية ، ولم يعد غريبًا أن ترى خبرًا عن القضية في قائمة الأخبار الرئيسية لأشهر وأكبر المواقع السياسية العربية أيضًا.

هل اهتم الناس بإيرادات آخر فيلم قدمه "جوني ديب" ؟ هل يعرف أغلب من تابعوا القصة من الجمهور والصحافة الفنية أيضًا من هي "آمبر هيرد" ؟ ماهو تاريخها الفني ؟ غالبًا لا .

ظلت قصة جوني وآمبير في الصدارة إلى أن أزاحتها حكاية انفصال شاكيرا وبيكيه التي تصدرت التريند بنفس الطريقة ، سعى دائم ومحموم وراء النميمة .

وهنا دعنا نطرح السؤال ونفند الإجابات بوضوح .. من المسئول عن تلك الحالة العالمية بين صانع الإعلام والمتلقي؟

المؤثرون الجدد

قديما كان الصحفي هو حلقة الوصل بين الفنانين والجمهور، وكانت ثقافة وتكوين شخصية هذه الحلقة هي المرآة العاكسة لما يقدمه الفنان، تلك الحالة صنعتها مكونات ثقافية واجتماعية لهذا العصر، الذي امتد بالمناسبة حتى مطلع التسعينات، لم يكن الصحفي والمذيع يفكران في تفجير فضيحة بقدر البحث عن رسالة، وبالمناسبة كان الفنان يسعى وراء نفس الهدف، لماذا ؟ لأن المجتمع كانت نظرته مختلفة للفن والفنان، كما أن مفهوم "الفضيحة" لم يكن له نتائج إيجابية على صعيد المكسب المادي والمعنوي.

دخلنا عصر السوشيال ميديا ، بكل فرضياته الجديدة أخلاقيا واجتماعيا ، انعكس ذلك على صناعة الإعلام المرئي والمكتوب، وتحول الجمهور إلى شريك في صنع الأخبار وهذه قصة أخرى لها تفنيداتها وسلبياتها وإيجابياتها .
النظام الاجتماعي الجديد الذي فرضته السوشيال ميديا حولت "صُناع المحتوى" الرقمي أو من نسميهم "أنفلونسرز" إلى شخصيات مؤثرة، وهذا تسبب في ميلاد مرحلة جديدة أثرت بشكل كبير على الفن والفنانين والمشاهير في مختلف المجلات ، لقد تحولو بالوقت إلى مؤثرين على مواقع التواصل أكثر من كونهم فنانين، أصبحت قيمة الفنان التسويقية تُقدر بعدد متابعية عبر انستجرام وفيس بوك وتويتر، وكلما كانت القصص الشخصية وفيديوهات وصور الحياة الخاصة أكثر عرضا عبر المنصات كلما زاد عدد المتابعين .

من الفن إلى الترفيه

قبل سنوات طويلة لم تكن برامج التليفزيون تستضيف النجوم مقابل أجر، تلك اللعبة أدخلتها القنوات العربية الخاصة مع انطلاق عصر "الستلايت" والمشاهدة المدفوعة ، وبالتالي ارتبط أجر الفنان في البرامج بمدى "سخونة" ماسيقوله وبالتالي لا يوجد أشهى من الفضائح الشخصية لتكون الطبق الرئيسي على هذه المائدة.

على المستوى العالمي كانت برامج "تليفزيون الواقع" تغزوا الشاشات وهي تضرب بعنف على غريزة الفضول لدى المشاهد لتنتج لنا مشاهير لا نعرف طبيعة مهنهم أو أدوارهم في الحياة مثل باريس هيلتون وكيم كارداشيان وعائلتها ، ليتحولوا بسرعة الصاروخ إلى مليونيرات يروجون حلم الثراء السريع للأجيال الجديدة.

هذا التحول حطم عدة مفاهيم راسخة حول الفن ودوره ، ولهذا تغيرت المسميات لنستبدل كلمة الفن بالترفيه، وما وراء ذلك من استبعاد تام لكل ما درسناه وعرفناه وقيل لنا عن دور الفن في تنوير المجتمعات وتثقيفها وطرح قضاياها للمناقشة ، أصبح الترفيه هدفًا وحيدًا في زمن "تسليع" كل شيء بحثًا عما في جيب المتلقي، في دائرة عالمية تدفع وتغذي النمط الاستهلاكي للإنسان بداية مما يدخل معدته ووصولا إلى مايدخل وجدانه ، وبالتالي لم يعد الفن فنا ، ولا الفنانين فنانين بحق.

فتش في ذاكرة "اليوتيوب" عن حوار قديم لفنان مثل أو عادل إمام أو أحمد زكي وقارنه بأي لقاء تليفزيوني حالي بين فنان ، صدقني ستضحك وتحزن وتكتشف أين كنا وأين أصبحنا .

عناصر الجذب اللعينة

حسنًا لقد هيأنا الجماهير الغفيرة للمشاركة في تلك الحالة ، ألقينا لهم بالهواتف المحمولة الذكية، غذيناهم بثقافة استهلاكية في كافة المجالات، حولنا شبكة الانترنت من وسيلة معرفة إلى وسيلة تواصل اجتماعي، قدمنا لهم ترفيهًا بدلًا من الفن، ومنحناهم فرصة التعليق والسب واللعن لتفريغ رغباتهم وغرائزهم الانسانية، وسألنا أنفسنا لماذا يتابعون الفضائح فقط ؟!

الإلهاء : الروتين اليومي يجعل الحياة مملة في كثير من الأحيان، ورغم الضغوطات الكبيرة التي نواجهها إلا أننا نسعى للهروب منها بالإلهاء ، وأكثر ما يلعب هذا الدور بنجاح هو مشاكل الآخرين ، لهذا تبدو أخبار الطلاق والزواج والمشاجرات مثل طبق مقبلات شهي يثير اللعاب.

الفضول : غريزة بشرية أساسية غذتها ودعمتها ثورة الاتصالات التي جعلت العالم قرية مفتوحة على مصراعيها ،بالتالي أصبح مقدار ما يتعرض له الناس من حكايات وفضائح أكبر بكثير مما كانت الأجيال السابقة تتعرض له.

الخطاب النسوي في مواجهة الذكورية : لا شك أن ارتفاع صوت الخطاب النسوي في في المجتمعات الغربية وارتباطه الوثيق بمصطلحات مثل الصوابية مع دعم تيارات سياسية لهذا الخطاب، خلق حالة صراع حقيقية طوال الوقت بين المرأة والرجل، أصبحت الخلافات الأسرية مهما كانت تفاهتها ملعبًا لمباراة النسوية والذكورية، وهذا ماحدث تحديدًا في قضية جوني ديب وآمبر هيرد ، والآن مع شاكيرا وبيكيه .

الضحية والجلاد : اسقاطا على معركة النسوية والذكورية ستحتل فرضية الظالم والمظلوم أو الضحية والجلاد مكانها في المعادلة ، وستمنح الصراع بعدًا دراميا أكبر ، هذا الجدل يصنعه المشاهير بقصد عندما يتحدثون لوسائل الاعلام ، مثلما خرجت شيرين لتعترف مع عمرو أديب أنها تحب حسام حبيب رغم هجومها العنيف ضده في تصريحات سابقة وربما في نفس البرنامج، وربما يصنعه الإعلام بالبحث عن بهارات تمنح القصص مزيدًا من السخونة ومزيدا من القراءات والمشاهدات .

لكل ماسبق يلهث الناس دون أن يشعروا وراء أخبار الفضائح والنميمة، هؤلاء الناس هم من خرج منهم الصحفيون والمذيعون وصناع المحتوى الذي يعاد تدويره ليل نهار بلا قيمة سوى مخاطبة غزائز الجمهور التي توحشت لالتهام أكبر قدر من وجبات الفضائح وسب ولعن من ورائها.
نحن ندور في دائرة مفرغة داخل نظام عالمي جديد، فرض قواعده على كل شيء، لصالح من ولماذا؟ هذه قصة طويلة.

عن موقع "في الفن"

التعليقات