صيفي أم شتوي ؟ وهل نحترم ياسادة أي توقيت ؟!

كان أول قرار للدكتور عصام شرف  رئيس وزراء مصر بعد ثورة ٢٥ يناير هو إلغاء التوقيت الصيفي . و منذ هذا اليوم  أصبح التوقيت الصيفي في مصر موضوعاً شائكاً للجدل والاخذ والرد، وكان السبب الاكبر في السنوات الاخيرة هو ان شهر رمضان يأتي في الصيف و تطبيق التوقيت الصيفي سيتسبب في اطالة اليوم وبالتالي إطالة وقت الصيام. أما الفلسفة الحقيقية لتطبيق التوقيت الصيفي عالميا فتعود الي أن تطويل  النهار و تقصير الليل يساعد في توفير الطاقة ،  وبالذات الطاقة التي تستعمل في الانارة. ففي ظل التوقيت الصيفي عندما تشرق الشمس مبكرا يستيقظ الناس ساعة بدري و ينامون  ساعة بدري أيضا. هذا طبعا في الدول التي لديها قواعد وقوانين وانظمة ومواعيد تحترم. و بطبيعة الحال فإن التوقيت الصيفي يوفر  طاقة للإنارة  تقدر بملايين الدولارات.

 

ونحن اذا نظرنا الى عاداتنا في مصر فسرعان ما سنكتشف أن التوقيت الصيفي لا قيمة له و لا يساهم في أي توفير للطاقة لأسباب عديدة :
١) نحن شعب يعشق النوم فلا نستيقظ مبكرا الا و نحن مجبرين للذهاب الي مدرسة أو شغل أو مطار.
٢) محلاتنا التجارية و الكافيهات و المطاعم و الملاهي و الأندية ليست لها مواعيد للفتح  و الاغلاق ، نحن عشوائيون تماماً وليست لدينا هذه المنظومة. كل محل أو كافيه أو ورشة أو كشك يفتح و يغلق ابوابه وقتما  يشاء. لدينا ملاهي ليلية تبقي مفتوحة حتي السادسة صباحا و محلات تجارية لا تغلق و ودور سينما تبدأ آخر حفلة في الواحدة صباحا ! ( ومش مهم الناس تروح شغلها تاني يوم !) . 
٣) محطات التليفزيون المجانية و المشفرة  تعمل ٢٤ ساعة في اليوم.
٤) نحن شعب لا يعترف بثقافة التوفير. نترك الأنوار مضيئة في عز الظهر ، نترك التليفزيون مفتوح ولا يشاهده أحد ، لا نرشد استعمال السيارات، نستعمل المياه باسراف وسفه شديد ، نضع على موائدنا في العزائم والولائم  من الأكل ما يكفي ضعف عدد الضيوف ، وفي النهاية نلقي  به في القمامة ! .. نحن شعب يعيش  ويستهلك وكأن موارده  لا تنتهي و لا كأنه يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة .

 

وقبل أن ندخل في حالة الجدل العقيم حول  فاعلية التوقيت الصيفي كان أولي بمجلس النواب أن يضع هدف توفير الطاقة علي رأس أولوياته في خطتهالتشريعية و أن يدرس كيفية تحقيق ذلك.
هل يتحقق ذلك بتشريع ينظم مواعيد فتح و غلق المحلات و الأماكن العامة و الخدمية؟ أم
هل يتحقق بتشريع ينظم انارة اللافتات الإعلانية العملاقة التي احتلت بكثافة و قبح كل طرقنا الكبيرة و الصغيرة و معظم واجهات العمارات و أسطحها في فوضى بصرية لامثيل لها، حيث نشرت القبح وقلة الذوق في كل ارجاء البلاد .
هل يتحقق ذلك بتشريع يحظر مثلا تشغيل مواتير مياه  العمارات في اهدار مياه الشرب على رش الأرصفة و الشوارع أمام المقاهي وفي غسيل العربيات في الجراجات وامام العمارات !. 
هل يتحقق ذلك بتشجيع و تحفيز المنشئات أن تدخل أنظمة حديثة تدير الانارة و التبريد في المباني؟
أم هل يتحقق باجبار شركات الإعلانات لاستعمال الطاقة الشمسية فقط لانارة لافتاتهم؟

التوقيت الصيفي يا سادة .. يوفر الطاقة وملايين الدولارات فقط في مجتمع منظم و ملتزم بقواعد وقوانين حضارية وأخلاقية و لكنه لا يوفر جنيهاواحداً في ظل العشوائية التي تغرق فيها المدن لمصرية بمحافظيها المغيبين ومجالسها المحلية الفاشلة .

 

والحل: تشريعات من المجلس الموقر تلتزم  بتطبيقها المحليات و الوزارات و علي التوازي مجتمع مدني يرفع مستوى التوعية و يساعد الدولة ويراقب التنفيذ ويقوم بدوره في انقاذ مصر من العشوائية والفوضى التي تجري- للاسف -   بإهمال حكومي رسمي  !.
وفي النهاية فإن القصة ليست في تطبيق التوقيت الصيفي أو الخريفي ، ولكن جوهر الازمة يكمن  في مجتمع الفوضى الذي ترعاه دولة اللا قانون ، وأي مجتمع لكي يحرز أي تقدم أو يحقق أي تغيير يحتاج الي حكومة شفافة و صارمة و عادلة و تشريعات تواكب العصر وتحترم  الدستور و مجتمع مدني قوي يحظى بالثقة وغير متهم بالعمالة .. بدون هذا المثلث المتكامل لا أمل في اي تغيير ، وسنلتقي كل عام لنناقش ايهما أفضل .. التوقيت الصيفي أم الشتوي ، .. بينما نحن في الحقيقة نعيش خارج التوقيت والزمن !!. 
التعليقات