الحلول الممنوعة !
يعيش المصريون هذه الايام حوار تداعيات التعويم وأوهام "مؤامرة الدولار" ومخاوف إشتعال الاسعار .. بنزين غاز بوتاجاز وجنون أسعار السيارات و الحديث يتواصل بلا انقطاع سواء من الخبراء أوالمدعين في اسطونة مشروخة حول الحلول وكيفية الخروج من الازمة .
وفي كل محفل اقتصادي أو برنامج تليفزيوني يطرح خبراء الاقتصاد آراءهم واقتراحاتهم المعقدة طويلة المدى او قصيرة الأمد . و كلنا نعلم أن الحلول ليست فحسب في التقشف او منع الاستيراد و الاكتفاء بالمنتج المصري ، و لكن الحل الحاسم يكمن في تعظيم إيراداتنا الدولارية بكل السبل ، و لا أعني هنا الحصول علي قروض و منح رغم أن هذه الحلول قد تساعد علي المدي القصير بل أعني تعظيم الايرادات من خلال تصدير الخدمات مثل السياحة و تصدير المنتجات المصرية التي نملك فيها ميزة تنافسية على المستوى العالمي .
وبالتأكيد فإن المصدر المصري سواء الزراعي أو الصناعي أو السياحي يحاول و يبذل كل جهده لتعظيم وتجويد السلع و الخدمات التي يستطيع تصديرها و لكن واضح من النتيجة اننا لم نزل بعيدين عن الهدف المطلوب.
و عندما نتعرف علي أرقام تصدير دول مثل الهند و ماليزيا و بعض دول أوروبا الشرقية وحتى فيتنام احدث نمر آسيوي ، نكتشف ان أرقام تصديرنا في مصر لا تقارن بعمالقة جدد في سوق التجارة ، بعضهم كانوا مثلنا بل أقل منا قبل ١٠ سنوات !.
فالهند تصدر نحو ٣٠٠ مليار دولار سنوياً في حين أن مصر تصدر في حدود ٣٥ مليار دولار !. و موضوع هذا المقال ليس في الأرقام لأنها قابلة للمناقشة و الزيادة و النقصان و لكن في القضية الأهم وهي التصدير من خلال التجارة الإليكترونية (e commerce) فالهند صدرت في ٢٠١٥ في حدود ٣٠ مليار دولار من خلال الانترنت و بوابات بيع المنتجات عبر الشبكة العنكبوتية. ( حجم التجارة الالكترونية في أمريكا يصل الي ٦٠٠ مليار دولار سنويا).
و نحن في مصر لدينا من الحرفيين و من صغار المنتجين و من الفنانين و المبدعين من لا يستطيع التصدير او السفر لعرض منتجاته و الاتصال بتجار في الخارج لارتفاع تكلفة التسويق و الترويج ، و لكن كل هؤلاء يمكنهم التصدير الفوري لمنتجاتهم بكميات صغيرة لمن يريد في العالم شراء هذه المنتجات المتميزة ، و لكن المأساة انه لا يوجد في مصر تشريع ينظم التجارة الالكترونية فلا يستطيع أي منتج من المنتجين المتميزين الصغار أن يسوقوا منتجاتهم عبر الانترنت و أن يحصلوا علي سداد قيمة المنتج عبر كروت الائتمان و لا يستطيعون شحن بضاعاتهم بطريقة سهلة و ميسرة لتصل الي من يريد شرائها. ونحن لدينا آلاف من الشباب المبدع و من الفنانين العباقرة و من المنتجين و الحرفيين الذين يصنعون منسوجات أو
منتجات زجاجية أو خشبية ، شنط و شيلان و ملبوسات بالصبغة الشرقية أو البدوية و مصوغات الفضة و الفخاريات و عشرات من المنتجات الرائعة التي يمكن تصديرها عبر الانترنت و لكن للاسف كالعادة ينقصنا التشريع الذي ينظم ويحمي هذه التجارة .
وهنا نتساءل ،.. ماهي الصعوبة في تسهيل هذه التجارة التي تفتح مجالات العمل وابواب الرزق لألاف الشباب .. ولماذا لا ننقل قانون التجارة الالكترونية من أي دولة سبقتنا و ننفذه لنفتح فورا منفذا جديدا للتصدير؟ لماذا نخشي من بيع البعض لمنتجاتهم عبر الانترنت؟ لماذا نقاوم التحديث ومتغيرات العصر؟ نحن دولة ينقصها الانتاج و في نفس الوقت فقيرة في المسئولين ذوي المبادرات والخيال الابداعي والحلول المبتكرة ، ومع ذلك فهم عباقرة في خلق الصعوبات امام المبادرات الصغيرة (start ups) وكل من يريد أن يبدأ في تصدير منتج يصنعه في صالة شقته أو في جاراج بيته.فهو لا يستطيع الحصول على سجل تجاري و بطاقة ضريبية الا اذا حصل علي مقر تجاري يكلفه الكثير و ربما لا يحتاجه لتحقيق حلمه وانتاج وتصنيع منتجه . وسؤالي ببساطة للمسئولين عن الصناعة والتجارة في بلادنا : لماذا لا تشجعون المبادرات الفردية البسيطة بإجراءات وقرارات سهلة لن تكلفكم جهدا ولا مالا ؟ ما هو العيب اذا ماقرر شاب ان يتاجر ويطرح منتجه عبر الانترنت ؟
ان التجارة الالكترونية تتقدم سنويا في العالم كله و تكتسب مساحات وتحقق نجاحات غير مسبوقة و تقدم فرصا رائعة للشباب بدون تكلفة ، و لكننا في مصر نغلق عليها الابواب و نفضل التصدير النمطي من خلال المؤتمرات و المعارض و الزيارات المتكررة و التكاليف الباهظة.
ان العبور الي القرن الواحد والعشرين لن يحدث الا من خلال الاستغلال الامثل للفرص الهائلة التي تتيحها ثورة الاتصالات الحديثة ، ونسبة كبيرة من حجم التجارة العالمية تجري الان عبر الانترنت ، وهنا فأنا اتوجه الى لجنة الصناعات الصغيرة و المتوسطة في مجلس النواب والي وزيري التجارة و الصناعة و الي جميع المسئولين: استغلوا الانترنت فهو وسيلة عظيمة للنهضة ويقدم حلولا لمشاكل مزمنة ويلبي تطلعات ملايين الشباب الذين ينتظرون منكم فقط الا تضعوا في طريقهم العراقيل . ان الانترنت ياسادة .. ليس هو الفيس بوك والكتائب الالكترونية وحروب الدعاية والشائعات ، انه بوابة للامل والنهضة والدخول الي عالم الكبار .