حينما يموت الطموح تموت السعادة

 

ألهمني مقال للصديقة العزيزة والكاتبة الصحفية سيلفيا النقادي بعنوان "وهم السعادة" والذي نُشر منذ فترة في بجريدة “المصري اليوم” أن استطرد في الكتابة عن السعادة ولكن من منطلق أخر قد يبين لماذا أصبحت من المحرمات في مجتمعنا. ويمكنكم الرجوع لمقال الكاتبة علي الرابط  http://www.almasryalyoum.com/editor/details/1742
قد يعلم البعض أن السعادة هي من الحاجات الأساسية لأي إنسان. إلا أن ما يحفز الإنسان لكي يشعر بالسعادة يختلف من شخص لأخر، كما يختلف تبعا للزمان والمكان. وبالرغم من عدم وجود نمط جامد لكيفية تحقيق السعادة أو شكل ثابت يدل عليها إلا أن المفكرين في عالمنا المعاصر استخدموا عدد من الأوصاف لتحديد ملامحها على المستوي المجتمعي، ومن أمثال تلك الأوصاف "الرفاهية" و"الرفاهة" و"النجاح" و"الاستمتاع". أما في المجتمعات الأكثر تأثرا بالخطاب الديني فنجد الأوصاف مبهمة وأقل تطلعا للدنيا مثل "الرضا" و"الستر" و"القناعة".
وبالرغم من أن درجة الإحساس بالسعادة ترتبط ارتباطا وثيقا بحجم طموحات للإنسان. إلا أن البعض قد يظن أن هذا يعني أنه كلما تواضعت طموحات الإنسان تصبح احتمالات إحساسه بالسعادة أسهل وأسرع. وأتذكر هنا حديثا تلفزيونيا لشاه إيران في بداية الخمسينات على قناة البي بي سي حينما سأله المحاور عما إذا كان ينوي توفير مجانية التعليم لكل مواطن فكانت إجابته بأنه لا ينوي ذلك مبررا رفضه لعدم قدرة الدولة علي رفع سقف طموحات الشعب الإيراني وبالتالي تلبيتها. وقد يكون هذا الاستخلاص منطقيا إلا أن تواضع الطموح لا يؤدي إلا إلى القليل من السعادة المؤقتة. ونستشعر هذا التحديد للطموح المحدود جليا في الخطابين الديني والعسكري في مجتمعنا، في حين يروج خطاب الدول الجادة في سعيها للتقدم الإنساني من فكرة أنه لا حدود للطموح وأن التمكن من الإنجاز لتحقيق أعلي درجات الطموح هو الطريق الأمثل للإحساس بالسعادة.
ولكي يتوفر الطموح غالبا ما يحتاج الإنسان للعوامل الأتية: أولا أن تكون له الرغبة والقدرة والإرادة. ثانيا أن تكون البيئة المحيطة له حاضنة ومؤمنة بحقوق الإنسان في الحرية والمساواة. ثالثا أن توفر له الدولة نظما جيدة للرفاهة الاجتماعية. رابعا أن تلتزم الدولة بالتطبيق الشامل والعادل للنظام والقانون. خامسا أن يتحرر المواطن من الخوف على أمنه وعلى عوزه.  
إلا أن رجال الدين دائما ما يدعون الشعب للتعفف عن خيرات الدنيا وتجنب الانشغال بما يحصده منها والتنازل عن حقوقه بها وتقبل البلاء فيها والتفرغ للعبادات وذكر الله حتى يأذن الله لهم بالحياة الأخرة. أما العسكريين فيروا أن الاستشهاد في سبيل الوطن هي قمة العطاء الإنساني، وأنه في غير ذلك فالإنسان عليه التضحية والعيش في كفاف وأن يضع مصلحة الوطن قبل مصلحته. والحقيقة أنه لا يوجد تعارض بين السعي في الدنيا والحياة الأخرة كما لا يوجد تعارض بين مصلحة المواطن والوطن، ولكن تلك الأولويات التي فرضها أولياء الأمر من رجال الدين والعسكريين هدفها ليس الدين أو الوطن بقدر ما هو تمكينهم من السلطة وتسخير الشعب لخدمة أهوائهم.
ومن المؤسف أنه منذ إلغاء الملكية في مصر وإحلالها بنظام جمهوري ومعاناة المصريين لم تتوقف لحظة. وبالرغم من فشل الحكومات المتعاقبة في دفع التنمية لتحسين حياة الإنسان وقدراته وأداءه إلا أن أنظمة الحكم لم تخجل من تحميل الأجيال المتلاحقة من الشعب المصري مسئولية الخراب الذي وصلنا إليه في كافة المجالات والأصعدة. ولم يحقق النظام الجمهوري وعده للمصريين بالقضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال، وإقامة عدالة اجتماعية وحياة ديمقراطية سليمة. وحتى حينما تصدت تلك الأنظمة الحاكمة للقضاء على الملكية والاقطاع والاستعمار لم تسعي لاستخدام أو تنمية ما ورثته تلك الجمهوريات من موارد وبنية تحتية لسد احتياجات المواطن المصري والارتقاء بطموحاته والدفع به لتحقيق أحلامه، بل تم نهب وتخريب وإهدار ثروات مصر لصالح مراكز قوي تواكبت مع كل رئيس جاء لحكم مصر في حين توقفت طموحات الغالبية العظمي من المصريين وماتت أحلامهم. وأتذكر كيف تم بتر طموحات المصريين حينما تعالي شعار الدولة أيام عبد الناصر بأنه لا صوت يعلي علي صوت المعركة. وأتذكر حينما طالب السادات شعبه بربط الأحزمة في الوقت الذي سعي لانفتاح اقتصادي لثراء قلة قليلة من المصريين وبادر بمعاهدة السلام مع إسرائيل معللا أن ما فعله كان من أجل الحفاظ على موارد مصر للمصريين، وهو ما لم يحدث، في حين أن إسرائيل باتت هي المستفيدة الأولي من تحييد مصر في قضية النزاع العربي الإسرائيلي. وجاء مبارك ليقنع شعبه بأننا تمر من عنق الزجاجة. واستمر هذا المرور ثلاثين عاما وكانت نتيجة حكمه زيادة رهيبة في معدلات الفقر والجهل والمرض والسكن ووسائل النقل العشوائي، وانهيار التعليم والثقافة والأخلاق العامة.
وفي محاولة من شباب هذا الوطن ومؤازريهم في تصديهم للتوريث والدولة البوليسية لوضع نهاية لهذا المسلسل من انتهاكات حق المواطن في الحياة، انتهز العسكريين استلامهم للسلطة وإجهاض حلم الابن المدني برئاسة مصر، وتهلهل الأمن في مصر لينصبوا شباك الإخوان المسلمين علينا لفترة سنة مما أصاب المصريين بالرعب من فاشية الإخوان وعدم توافر الأمن لحماية الناس. وإذ بحملة تمرد والتي أوعزت بقرب سقوط الإخوان يتم استغلالها من جانب العسكريين والأجهزة الأمنية والاستخباراتية ليُعلن الشعب في ٣٠ يونيو وخلال شهر يوليو ٢٠١٣ استسلامه الغير مشروط لحماية الجيش المصري لهم.
وانحصرت طموحات المصريين في التخلص من حكم الإخوان والنجاة من مخاطر الإرهاب حتى لو كان الثمن عودة الدولة الأمنية والتضحية بحقهم في حياة كريمة. وانتهز النظام الحالي فرصة الاستسلام للنيل من كل من تجرأ علي دولة مبارك ليس حبا فيه ولكن تحسبا لأي مواطن يظن ولو للحظة أنه صاحب حق.
ودُفِنت طموحات المصريين للأبد ودُفِنت معها فرصتهم للسعادة.
التعليقات