الفرق بين برلماناتهم .. ومجلس عبد العال !

 فجأة وجدت نفسي في قلب سلسلة من الاحداث العالمية الساخنة التي شغلت اهتمام اهل السياسة والاعلام ، وخاصة ماجرى مؤخرامن قضايا في ثلاثة برلمانات في العالم. اولها القضية المنظورة في الكونجرس الأمريكي و المتعلقة بالاتهامات الخاصة بتدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية و علاقتها بعزل ترامب لمدير الاستخبارات الداخلية من منصبه.
والمثير ان هذه القضية رغم حساسيتها ورغم ارتباطها المباشر بالامن القومي الامريكي فإن كل تفاصيلها تذاع على الهواء مباشرة ، ..جلسات الاستماع و الاستجوابات التي تجري وشهادات الشهود امام لجنة الكونجرس التي تحقق في القضية  كلها تذاع علي الهواء مباشرة و ليس فقط علي قناة أمريكية أرضية خاصة و لكن علي جميع الفضائيات وعلى مرأى من العالم كله . .
وما يستوقفني هنا ليست القضية ذاتها لأنها قد لاتعنينا مباشرة ، و لكن في الشكل والاسلوب الذي تتعامل به الادارة الامريكية والكونجرس مع قضية بهذا الحجم قد تصل تداعيتها الى حد عزل الرئيس نفسه من منصبه .
وما يثير الاعجاب والاحترام هنا هو اُسلوب ادارة الجلسات ، فرئيس الجلسة يبدأ بطلب القسم من الشاهد او الشخص الذي يجرى استجوابه "أن يقول الحق، كل الحق و ليس غيرالحق" ثم  يقدم رئيس اللجنة الأعضاء و يعرض عليهم شروط ادارة الجلسة، كل عضو لديه دقائق محددة  ليسأل أو يخاطب الشاهد، اللجنة نفسها مشكلة من الأغلبية و الأقلية (المعارضة) ، و أثناء عمل اللجنة لا تسمع عضواً يقاطع الآخر أو صوتاً يعلو ولاثرثرة جانبية ، وكل عضو في اللجنة ملم  تماماًبكل أركان القضية و يسأل في الصميم و الشاهد يجيب علي الأسئلة بكل هدوء و احترام حتي ولو كانت بعض الأسئلة مستفزة أو تحمل اتهاماً.
والكونجرس هو مجلس النواب ، الذي يفترض انه يماثل او يشبه أي مجلس نواب آخر في العالم ، ولجنة التحقيق هي تشبه أي لجنة خاصة في أي برلمان يناط بها مناقشة قضية او البت في في مشروع قانون أو اتفاقية .. والسؤال المر والموجع هنا .. أين نحن من هذا المشهد وأين برلماننا الموقر من ذلك الاداء البرلماني المحترم الموجود في معظم برلمانات العالم ؟!
البرلمان الآخر الذي تابعته كان البرلمان البرازيلي ، و البرازيل دولة حديثة نسبيا في الديمقراطية ، وقد شاهد العالم كله بإعجاب كيف تصدى هذاالبرلمان لتحقيق خطير مع رئيسة الدولة السيدة ديلما روسيف وكيف صوت علي عزلها من منصبها وبقيت معزولة حتي حكمت  المحكمة الدستورية بتأييد أسباب عزلها و تأكيد قرار البرلمان ، وبالفعل تركت رئيسة الدولة منصبها بالقانون وبالدستور وبقرار البرلمان في أعظم صور الممارسة الديموقراطية ليخلفها نائبها في رئاسة البلاد .
وفي أي دولة في العالم هذا هو دور البرلمان ، أن يراقب ويحاسب ويشرع وأن يكون صوتاً للناس ومعبرأ عنهم ، ولايجرؤ نائب على التصويت ضد رغبة الناخبين ، فإذا كان الشعب لايريد هذا القانون فإنه يعارضه واذا كانت هذه الاتفاقية أو المشروع ضد مصلحة البلاد فهو لايمكن ان يوافق عليه واذا خرج الوزير او حتى الرئيس عن مهام منصبه فدور النائب هو استجوابه ومحاسبته وعزله اذا لزم الامر!.
وفي فرنسا يسمي عضو البرلمان "صانع القانون" ، وفي معظم برلمانات العالم هناك أغلبية حاكمة وأقلية تمثل المعارضة ، وقد شاهدنا مؤخراً مراسم افتتاح ملكة بريطانيا  للدورة الجديدة للبرلمان ، ورأينا رئيسة الأغلبية التي هي  رئيسة الوزراء تيريزا ماي  تدخل القاعة والى جوارها رئيس المعارضة العمالية النائب جيريمي كوربيرن ، إنهما في الواقع ليسا أعداء بل متنافسين وكل له رؤيته لمصلحة الوطن ، والاثنان وجهان لعملة واحدة وشريكان بحكم الدستور في العملية الديموقراطية التي من خلالها يكون حكم البلاد وادارة  شئونها ، ولا تستطيع رئيسة الوزراء وحدها الانفراد بقرار وليس من حقها التأثير او الضغط على اتجاهات الرأي العام او خداعه بأي صورة من الصور ، والقرار في النهاية يكون للشعب من خلال التصويت العلني لنوابه في البرلمان .
إن برلمانات العالم تستجوب حكوماتها وتراقب أداءها، بل و تفرض عليها اتباع سياسات بعينها لمصلحة الشعب ، وفي هذه البرلمانات لا نسمع نائب يخون الآخر أو يتهمه بالعمالة أو ببيع الوطن لانه يختلف معه في الرأي حول قضية او اتفاقية ، وبرلمانات العالم تسأل الوزيروتسلخ رئيس الحكومة وتسحب الثقة منه بل وتقيل حكومته ، ومع ذلك لاتنهار الدول او يتزعزع استقرارها ، ولا يقوم نصف الشعب علي النصف الآخر بزعم انه الاكثر وطنية والاكثر حباً لترابها ونيلها ولرئيسها وجيشها .. الخ .
هذه هي الديموقراطية كما يعرفها ويمارسها العالم ،وهذه هي ثقافة البرلمانات المنتخبة التي تمثل شعوبها وتحترم  ارادة ناخبيها ،  أما ما نراه عندنا في برلمان الدكتور عبد العال فهو شئ آخر لا يمت للسلوك البرلماني القويم ، ويمكنك ان تسميه بأي إسم آخر غير أنه مجلس نيابي يعبر عن الشعب المصري أو له أي علاقة بأبسط  قواعد الاداء البرلماني في بلاد الواق واق ! .
إن أحدا في مصر لا يعرف أي شئ أي قضية يناقشها البرلمان ، ولا يعرف النواب احيانا تفاصيل المشروع المطلوب منهم التصويت عليه ، ولم نسمع عن استجواب خطير لوزير أو عن مشروع قانون قدمه نائب في قضية قومية ملحة ، ولانعرف عند مناقشة القانون من حضر ومن لم يحضر ، و من صوت مع ومن صوت ضد ، وانا شخصيا لا اعرف النائب الذي اعطيته صوتي هل عبر عني ، هل بلغ رأيي ، أم انه استخدم صوتي لتحقيق مصالحه الخاصة مع الحكومة ؟! . ولم أرى  وزيرا يقف تحت قبة البرلمان يعرض خطة اصلاح ثورية في مجاله بأرقام و جداول زمنية ، وكل مانراه فقط وزراء يكررون كلاماً ووعوداً ويبقى الحال على ماهو عليه ، بينما السادة  النواب يتهافتون ويتزاحمون حوله خلال الجلسات لطلب التأشيرات و الموافقات  اولاستثتائات و الانتقالات و التعيينات. و لا أحد يحاسب هؤلاء النواب ويسألهم كيف تراقبون هذا الوزير و تحاسبوه بينما هو كاسر عينكم بتأشيرة وبمصلحة شخصية ؟!.
اننا بكل اسف بعيدين كل البعد عن ابسط أصول الممارسة النيابية السليمة،  فليس لدينا أحزاب تفرز كوادر سياسية ، ولانواب يعرفون حقاً وظيفة نائب الشعب ، وبكل الاسى نعترف ايضاً اننا ليس لدينا شعب يعرف دوره وقيمة صوته .. شعب لا يبيع ضميره وروحه وكرامته ومستقبله بأي ثمن لأي أحد !!.

التعليقات