واشنطن تتودّد.. وطهران تتشدّد!
أمام مجلس الأمن في نيويورك، وقف السفير عبد الله المعلمي، مندوب المملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة، فقال إن بلاده مستعدة لإقامة علاقات تعاون بين إيران والدول العربية، وذلك لا يقوم إلا إذا راعت الحكومة الإيرانية حُسن الجوار، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، واحترام سيادتها!
كانت كلمة السفير مساء الأربعاء الماضي، وكان يلقيها باعتبار أن بلاده هي رئيسة المجموعة العربية في المجلس هذا الشهر!
والحقيقة أن هذه نبرة أفهمها من جانب السعودية، وهي ليست المرة الأولى التي تبدي فيها الحكومة السعودية مثل هذا التوجه على كل حال، ولكن الاستجابة على الجانب الإيراني في كل مرة كانت مخيبة للآمال، وكانت حكومة الملالي تقول شيئا بهذا الخصوص، ثم تفعل شيئا آخر على النقيض منه تماما!
فلا أطماع سعودية، ولا خليجية، لا حتى عربية في إيران، ولكن أطماع إيران تجاه السعودية خصوصا، وتجاه الخليج بشكل أخص، والعالم العربي بشكل أخص وأخص- أوضح من أن تكون في حاجة إلى دليل.. وليس ما تمارسه في بغداد، وفي دمشق، وفي بيروت، وفي صنعاء سوى أدلة قائمة أمام العين!
أقول إن هذه نبرة أفهمها على المستوى السعودي، ثم أقول في المقابل إني لا أفهم أن تأخذ الولايات المتحدة الأمريكية عدة خطوات إلى الوراء في الأزمة بينها وبين إيران، فيقول وزير خارجيتها (مايك بومبيو) إنه مستعد للذهاب إلى العاصمة الإيرانية، ويتطلع إلى الحديث مباشرةً مع الشعب الإيراني!
إن كل قارئ لهذا التصريح على لسان بومبيو سوف يسأل نفسه في حيرة: ولماذا، إذن، كان قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجييش الجيوش أمريكيا في الخليج؟
ولماذا كان قراره إرسال حاملة الطائرات ومعها القاذفات؟
ولماذا كانت أجواء الحرب التي جعلت المنطقة تقف على أطراف أصابعها منذ اللحظة الأولى؟!
هل كان ذلك كله من قبيل البضاعة الانتخابية التي أراد ترامب بيعها للناخب الأمريكي، استعدادا لانتخابات ستجرى نوفمبر بعد القادم، ويريد الرئيس الأمريكي الفوز فيها بفترة رئاسية ثانية؟!
ربما.. فلا يخطو ترامب خطوة واحدة هذه الأيام، إلا وعيناه على الناخب، ومزاج هذا الناخب، ثم على صندوق الاقتراع!
ولم تتوقف هذه اللهجة عند حدود بومبيو، لأن مارك إسبر، وزير الدفاع الأمريكي الجديد، ما كاد يتسلم مهام منصبه قبل أيام، حتى قال إن بلاده لا ترغب في تصعيد التوتر في منطقة الخليج العربي، ولا تميل إلى التعامل هناك وفق مبدأ العين بالعين!
والواضح أن إسبر يحاول التلميح من بعيد إلى ما جرى على مدى أيام مضت، بين إيران من جانب وبريطانيا من جانب آخر!
فما كادت البحرية البريطانية تحتجز ناقلة النفط الإيرانية "جريس ١" عند جبل طارق، حتى كانت البحرية الإيرانية قد احتجزت ناقلة نفط إنجليزية في مياه الخليج العربي، ثم راحت تقول بصراحة إن هذه بتلك، وإن الإفراج عن الناقلة المحتجزة لديها، لن يكون إلا في مقابل الإفراج عن ناقلة جبل طارق!
وهكذا تبدو حكومة الملالي قادرة على اللعب جيدا بالأوراق المتاحة في يديها، وقادرة على أن تلوح بالحرب، ثم تدعو إلى السلام!
وفي الوقت الذي كان فيه دونالد ترامب يعطي بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا الجديد، وعداً أول هذا الأسبوع بالمساعدة في موضوع ناقلة النفط البريطانية، التي لا تزال محتجزة في ميناء بندر عباس الإيراني، كانت طهران تعلن إجراء اختبار جديد لصاروخ باليستي متوسط المدى من نوع "شهاب ٣" وكانت وزارة الدفاع الأمريكية تعلق على الخبر وتؤكده!
وهكذا تبدو واشنطن أمامنا وهي تتودد، مع أنها بدأت متشددة، وتبدو طهران وهي تتشدد مع أنها بدأت متوددة، دون أن نرى شيئا ظاهرا من أسباب التشدد هنا، ولا من دواعي التودد هناك.