إنهاء الانقسام مقاومة

مقاومة الاحتلال ليست بالشعارات ولا بإلقاء صواريخ عشوائية على إسرائيل ولا بالتعامل بهذا الاستخفاف مع الضحايا المدنيين، الذين يسقطون بالمئات من أبناء الشعب الفلسطينى، إنما هى فى تقديم نموذج حقيقى للمقاومة الشعبية القادرة على الصمود والانتصار.

صواريخ حماس طوال هذا العقد وصواريخ الجهاد، الأسبوع الماضى، أسفرت عن سقوط بعض الضحايا الإسرائيليين، ولكنها خلّفت آلاف الضحايا الفلسطينيين.

صحيح أنه من الطبيعى أن تضحى الشعوب من أجل نَيْل استقلالها وحريتها، ولكن لا أحد يضحى من أجل معارك خاسرة لم تحقق فيها القضية الفلسطينية أى تقدم منذ الانقسام الفلسطينى عام 2007 حتى الآن.

والحقيقة أن اتفاق الحكم الذاتى، الذى سمح للقادة الفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم، جاء عقب انتفاضة شعبية عظيمة عام 2000 وليس فى أعقاب إطلاق صواريخ عشوائية.

لقد نجحت إسرائيل، فى ظل دعم إدارة ترامب غير المحدود، فى أن تحول جانبًا من نضال الشعب الفلسطينى ومقاومته الاحتلال إلى «إرهاب إسلامى» بشكل يتناغم مع الموجة السائدة لدى تيار واسع من قادة العالم الغربى، فى حين عجزت فصائل المقاومة المسيطرة على غزة فى أن تقدم نموذجًا جديدًا قادرًا على أن يلهم شعوب العالم وجانبًا من نخبه وقادته.

المؤسف أن الفصائل الفلسطينية لم تنجح فى خلق وسائل جديدة للضغط على إسرائيل من أجل الالتزام بقرارات الشرعية الدولية والانسحاب من الأراضى الفلسطينية المحتلة، بل دخلت فى مواجهات مسلحة بلغت ذروتها فى 2007 حين قامت حماس وحلفاؤها بالسيطرة على قطاع غزة بالقوة المسلحة، وطردت منه حركة فتح، وهى مُحمَّلة بخطاب إقصائى عدائى لكل مَن يخالفها فى الرأى، وحوّلت بوصلة العداء من إسرائيل إلى فتح، وسقط فى المواجهات بين فتح وحماس ما يقرب من 250 قتيلًا.

ومنذ ذلك التاريخ أضعف الانقسام الفلسطينى من قوة المفاوض الفلسطينى، وأيضًا من وزن الضغط الشعبى، وأخذت إسرائيل من الانقسام السياسى والجغرافى، أى سيطرة حماس على غزة وفتح على الضفة الغربية، حجة لاستكمال سياستها الاستيطانية واستمرار الاحتلال، واختراق الأراضى الفلسطينية بمئات العملاء والمأجورين، ووضعت آلاف المناضلين فى سجونها، خاصة من قيادات فتح، الذين قادوا انتفاضة عام 2000، وعلى رأسهم مروان البرغوثى، وصعدت وجوه أخرى وأصبحت طرفًا مؤثرًا داخل الساحة الفلسطينية.

واكتفت حماس والجهاد بمواجهات مسلحة غير محسوبة مع إسرائيل، دفع ثمنها آلاف من أبناء الشعب الفلسطينى، دون أن يؤدى ذلك إلى تقديم إسرائيل أى تنازل يعيد جزءًا من حقوق الشعب الفلسطينى.

إنهاء الانقسام هو المقاومة الحقيقية للاحتلال، وعودة السلطة الفلسطينية للسيطرة على معابر غزة، وإجراء انتخابات، تُنهى هذا العبث الداخلى، وتقدم رسالة للعالم أجمع بأن الفلسطينيين يقاومون الاحتلال والاستيطان، بتقديم نموذج ملهم بتوحُّدهم ضد الاحتلال واختلافهم فى البرامج والتوجهات.

التعليقات