المناعة والفن

هل يصنع الفن الواقع، ويحدِّد هوية المستقبل، ويرسم خريطة جديدة للإنسان يعيش بها فى حالة من الخوف والرعب من ذلك القبل المجهول، سواء أكان كائنات فضائية أم أمراض وأوبئة بيولوجية غير معروفة أو من مصير قدرى محتوم بفناء هذا العالم الذى نعيشه من أجل بناء عالم جديد، أو كما «نوح» الذى غرقت قارته وأرضه وناسه فى الطوفان، ونجا هو ومن معه فى السفينة ليبدأ حياة أخرى جديدة.

هذا الأدب والفن الجديد الذى بدأت «أوروبا» فى تصديره و«أمريكا» فى تصنيعه للعالم أصبح اليوم ناقوس خطر وعلامة إنذار بأن السياسة هى التى تدير الحياة الأدبية والفنية والاجتماعية والاقتصادية من خلال الإعلام والسينما سواء الإعلام الجديد أم الإعلام التقليدى، هذا وقد تحولت السينما إلى بؤرة خطر يحفز هواجس الإلحاد وعدم الإيمان أو الإنتماء إلى أى قوى روحية أو إلى أى مفهوم وطنى بدعوى أن الإنسانية تعانى تهديدات بسبب العلم وبسبب التكنولوجيا وبسبب تلك القوى الغريبة غير المعروفة التى هى كائنات تعيش معنا فى ذلك الكون وهذا العالم لا يحكمها الإ قانون التفوق العلمى والقدرات الذهنية العقلية الخارقة التى تساعدها دوماً أجسام وتكنولوجيا لم ولن ندركها فى حياتنا الحالية.

إنها اليوتوبيا المحطمة أو المهشمة المتناثرة المعالم والقيم.. المدينة المشوهة التى على الصغار والكبار أن يدركوها ويخافوها من خلال تلك الألعاب الشيطانية الإلكترونية ومن خلال الأفلام والفن ومن خلال الإعلام الذى يروج لكل ما هو سيئ ومرعب ومخيف... وتتنافس القنوات العربية والفضائيات فى الإعلان عن هذه الألعاب المدمرة وتعرض هذه النوعية الشاذة المخيفة من أفلام «الديسيوتوبيا» أو المدينة الفاضلة المحطمة، وقد غاب عن الساحة أى عمل عربى مصرى يقدم نوعية متميزة من الفن وعلى العكس من ذلك نجد الإعلام يهلل ويطبل لكل أنواع الفن الهابط أو الفن المحرض على الفساد والفوضى والإباحية بدعوى أن هذه هى الحرية، وأن هذا هو التعبير الصادق عن الواقع، وما تم تقديمه فى مصر قبل «ثورة يناير» وما تلاها من فوضى كانت هناك خطة مدروسة على المستوى العالمى استغلت أقلاماً وأفلاماً لتخرج لنا صورة مشوهة عن المجتمع المصرى وقد تفكك وانحل وأصبح يعيش فى الحرام والرذيلة بسبب السلطة وبسبب الدولة فما كان من الشباب أن وجدوا ضالتهم وسبباً فى ثورتهم بعد أن وثقها ورسخها ذلك الأدب وتلك الأعمال الفنية التى كان إطارها سياسياً اجتماعياً فى شكل نقد لواقع مرير يعيشه المصريون وهى فى الحقيقة تمهد الأرض للفوضى و«الأناركية» غير الممنهجة لهدم الدولة وهدم المجتمع وبناء دولة جديدة، بأناس آخرين لهم قيم ومبادئ مختلفة...

فكرة « الديسيوتوبى» أو تلك المدينة غير الفاضلة التى تنشأ بعد هدم المجتمع والبشر هى ذاتها ما تروج له الصناعة والسياسة «الأمريكية الماسونية» فى الإعلام وفى الأفلام وفى الألعاب وفى الاقتصاد، وفى التعليم عن بعد الذى هو كارثة بكل المقاييس العالمية والمحلية لأنه يفقد المرء التواصل البشرى والإنسانى ومكتسبات الشخصية والقدوة والتواصل العاطفى والسلوكى والفكرى ما أدى إلى العديد من الإضرابات من قبل المعلمين فى «بريطانيا» و«فرنسا» و«أمريكا»..

إن ما نعيشه اليوم هو خطة عالمية لهدم هذا العالم وتدمير البشر والقيم والمجتمعات وإشاعة الخوف من المستقبل وترسيخ مفاهيم العولمة والسيطرة والحركة الدولية لمجموعة قادرة على العلم وعلى التحكم فى الحاضر والمستقبل بلا إيمان أو انتماء.. علينا أن نعود إلى رشدنا ونعلم أن الثقافة والفن والتعليم والإعلام هى الأسلحة الوحيدة القادرة على مواجهة ما يجرى من حولنا وما يخطط ويدبر لتدمير الإنسان ومن ثم المجتمع والوطن.. الفن والإبداع يحميان ويقويان أجهزة المناعة البشرية.

(عن الوفد)

التعليقات