الأم أمس وغدا

هل اختلفت صورة الأم المصرية عبر قرن من الزمان وهل استطاع الفن والأدب تجسيد وتصوير هذا التطور والاختلاف أم أن هناك صور نمطية ما زالت تقدم على الشاشة الكبيرة والصغيرة لأنماط ونماذج معينة من الأمومة، ففى الماضى عندما قدم الأدب والسينما صورة الست «أمينة» فى «ثلاثية نجيب محفوظ» التى جسدتها «آمال زايد» كان نمط الأم هو تلك المحبة المضحية المستكينة التى ليس لها دور فى الأسرة سوى الإنجاب ورعاية الأبناء وإسعاد وطاعة الزوج، وكم من نماذج متشابهة قدمتها «أمينة رزق» فى أفلام «بائعة الخبز» و«التلميذة» و«كريمة مختار» فى فيلم «وبالوالدين إحساناً»، و«فردوس محمد» لقبت هى و«عزيزة حلمى» بأنهما أمهات السينما المصرية لما تحمل ملامحهما من البراءة والطيبة المفرطة إلا أنهما سارتا على نفس درب «أمينة رزق» فى أداء وتصوير الأم بهذه الصورة أحادية الأبعاد المتمحورة حول بعد أنثوى واحد تغلب عليه السلبية...
وحتى «شادية» عندما قدمت دور الأم فى «المرأة المجهولة» وفى «لا تسألنى من أنا» كانت تعبر عن القهر والظلم والضعف وعدم القدرة على المواجهة حتى حين اتهمت ظلماً فى شرفها وافترقت عن ابنها لم تستطع أن تستعيده بكرامة وقوة وإيجابية، وحين اضطرها الفقر إلى بيع ابنتها لتربيها سيدة أخرى خجلت من أن تعترف بضعفها وتطالب بحقها فى أمومة ابنتها...
ولأن عاطفة الأمومة تولد مع الأنثى الطفلة فإن «نبيلة عبيد» فى «العذراء والشعر الأبيض» برعت فى التعبير عن هذا فى علاقتها بزوجها ورعايتها له وأيضاً حين تبنت الطفلة الصغيرة من الملجأ ونسيت حياتها الزوجية والعملية وتفرغت لأمومتها الجديدة.
وهنا كان «إحسان عبدالقدوس» سباقاً فى تقديم أدوار جديدة للأم المصرية فى الإيجابية والقوة والاستقلالية التى جسدتها القديرة «فاتن حمامة» كنقلة نوعية لصورة الأم فى النصف الثانى من العشرينيات حيث كانت شخصية «منى» فى «إمبراطورية ميم» تغيراً ثورياً فى صورة الأم التى لديها أكثر من ستة أبناء ومع هذا تعمل بجد وتفانٍ كمديرة إدارة تعليمية وتتابع الأبناء والبنات وتفاصيل حياتهم ولا تنسى حظها من الدنيا فى الحب والرغبة فى الزواج وإن كان «إحسان عبدالقدوس» قد انتصر للأمومة على حساب المرأة.
ولا نغفل أن تحية «كاريوكا» الراقصة الشهيرة قد اكتسبت مكانة جديدة فى الفن والمجتمع حين قامت بدور الأم فى رائعة «عبدالحميد جودة السحار» «أم العروسة» وكانت متميزة ومبدعة لأنها تشابهت مع العديد من النساء فى تلك المرحلة التى تفصل بين الشباب والنضج وبين الأم الزوجة والأم الجدة.
وفى التسعينيات قدمت «نجلاء فتحى» دوراً جديداً فى «الجراج». . حين جسدت شخصية الأم المعيلة التى تصاب بالمرض وتعانى من غياب الزوج ولكنها تصر على العمل وعلى إرساء أواصل وأواشج الحب والدم بين الأبناء والبنات، كما فعلت «فاتن حمامة» فى فيلم «يوم حلو ويوم مر» من كم المعاناة التى تتكبدها المرأة التى غاب عنها الزوج ولديها بنات وأبناء ومع هذا لا تستسلم وتصر على المواجهة والعمل والوقوف فى وجه الظروف والظلم.. أما أدوار الأم المتغطرسة الأرستقراطية فإن «زوزو شكيب» و«ميمى شكيب» و«علوية جميل» قد أبدعن فى تمثيلها وتصويرها وأيضاً «نجمة إبراهيم». . ولا ننسى سلبية «مديحة يسرى» فى «الخطايا» عندما لم تدافع عن ولدها وتعترف بذنبها وخطيئتها.
أما الدراما المصرية والتليفزيون فإن «هدى سلطان» قدمت «فاطمة تعلبة» فى «الوتد» و«أم حسن» فى «أرابيسك» معبرة عن نموذج جديد للمرأة المصرية القوية العفية الحكيمة التى تضاهى الرجال، وكذلك كانت «يسرا» فى «حياة الجوهرى» و«أين قلبى»، أما «سميرة أحمد» فهى أول من تطرقت إلى قضية الأم المنفصلة فى «غداً تتفتح الزهور» ودور المرأة العاملة فى التوفيق بين البيت والأبناء وفى «ماما فى القسم» تصدت للفساد والقبح وعقوق الأبناء، والآن تقدم «عبلة كامل» نوعاً جديداً للمرأة التى تعمل فى السوق ولا تنسى أصلها وجذورها ولا دورها تجاه البنات والأسرة فى «سلسال الدم»، تغيرت صورة المرأة وما زالت ولكن تظل للأم صورة فى القلب لا تبتذل.. مع الأيام.

عن (الوفد)

التعليقات