ختان العقل!
هل يعقل بأى حال من الأحوال أن تحتل أى قضايا مرتبة مهمة فى اهتمامات المصريين بعد ثلاث حوادث زلزلت الشارع المصرى والعالمى بدايةً من تلك السفينة «إيفرجريفين» التى جنحت فى مياه «قناه السويس» وعطلت الملاحة الإقليمية والدولية وتكبدنا ملايين الدولارات خسائر بسبب خطأ بشرى أو سياسى تجارى اقتصادى موجه نحو مصر، وذلك الحدث الجلل الناجم عن اصطدام قطارى الصعيد فى سوهاج وموت العشرات وجرح آخرين فى ذلك الصدام المروع الذى هز الكيان المصرى فى فقدان الأبرياء، تزامناً مع وقوع وانهيار عمارة جسر السويس المكونة من 12 طابقاً وعدد الأرواح التى زهقت والمصابين والمنكوبين والمكلومين من المواطنين الأبرياء الذى ضاعت أرواحهم وأموالهم بسبب الجشع والفساد وغياب الرقابة والضمير لأن المسئولية مشتركة بين عدة جهات، ومن الممكن تكرارها أكثر من مرة فى ظل ضعف القوانين الخاصة بالفساد والمفسدين.
فى ظل تلك الأجواء الملبدة بالغيوم ومشاعر الحزن والغضب والأسى نجد البعض يثير قضايا لا ينبغى أن تحتل أولوية فى اهتماماتنا على ذات شاكلة القضايا السابقة، وهنا أشير إلى مشروع القانون بتغليظ عقوبة «الختان» للإناث؟!! هل هذا الأمر وتلك القضية من الأهمية والسرعة والعجلة والأولوية لأن تحتل اهتمام المجتمع على هذا النحو، وفى هذا التوقيت؟
ماذا حدث لنا أو للبعض منا لكى نتغاضى أو نتغافل عن مشاركةً فئات الشعب المختلفة لتلك الحوادث الأليمة التى بعضها ناتج عن مؤامرات خارجية وجدت بالداخل تربة عفنة مستعدة لبيع الأنفس والضمائر من أجل المال أومن أجل خيانة وطن أو حتى من أجل إهمال ومصالح مادية ذاتية على حساب مجتمع يعانى ويئن من مشكلات اجتماعية وثقافية واقتصادية وأيضاً حالة من الاستقطاب الفكرى المتشدد أوالمتسبب المترهل المادى الأنانى الاستهلاكى.
ومن الغريب أن تسود فكرة قبول الاستماع دفاع تيارات دينية متسلفة عن الختان وتبرير الفعل المسىء تجاه الفتاة الصغيرة، وعلى الجانب الآخر كان للرجال النصيب الأكبر من مناقشة تلك القضية فى ظل الظروف والأحداث الساخنة التى يمر بها المجتمع ولكأن قضايا الوطن والمرأة تم اختزالها فى هذا الجزء من جسد المرأة مثلما تقزمت كل قضايا المرأة من قبل فى قضية الحجاب أم النقاب وكيف أن شعر المرأة عورة كما صوتها ووجهها فى بعض التيارات الدينية المتشددة!!!
إن ما حدث فيما يخص هذا الموضوع فى خضم الأحداث الملتهبة محلياً ودولياً يعد إهانة ليس للمرأة فقط ولكن أيضاً للرجل وللمجتمع المصرى بأكمله وللفكر الحر المستنير الوطنى الذى يطلب من البرلمان أن يكون معبراً عن آلام وأواجع المصريين مشاركاً لهم فى أفراحهم وأحزانهم، مستشرفاً أحلامهم وتوقعاتهم..
فإذا كان هناك قاع من الإعلام مشغولاً بالتبرير والتأييد بدلاً من المكاشفة الوطنية والانتقاد البناء بغية الإصلاح والوصول إلى الأسباب الحقيقية التى أدت إلى تلك الكوارث والحوادث فى معالجة موضوعية علمية من أطراف متعددة تحلل وتدرس كان الموقف يتطلب البحث فى اقتراح مشروعات قوانين صارمة يناقشها البرلمان فى جلسته العامة عن التجارة والسفن ومعايير السلامة والأمن داخل هذا الممر المائى العالمى الحيوى وكيف نخاطب الدول بحرفية ومهنية إعلامية عبر تقارير حية علمية توجه للآخر وتشرح ما حدث بشفافية حتى لا نفقد المصداقية التجارية والبحرية...
أيضاً كان من الأجدر بالإعلام أن يتوجه بالأسئلة إلى الخبراء الحقيقيين عن أسباب تكرار قضايا تصادم القطارات ومعرفة أهم وأحدث الأبحاث العلمية الهندسية فى هذا المضمار، وأيضاً القوانين المصاحبة لتأهيل المهندسين والسائقين وجميع العناصر البشرية فى هذا المرفق الحيوى الخطير ومع هذا ضرورة إعادة النظر فى سرعة إصدار قانون التصالح والبناء والمخالفات والمحليات وإعادة المجالس المحلية المنتخبة وسرعة البت فى القضايا الخاصة بأرواح البشر ومراقبة مستمرة لأعمال البناء والهدم فى أحياء ومحافظات مصر.
هذا ما نتمنى أن يحظى بالاهتمام على مستويات عدة منها بل أهمها البرلمان والإعلام وأن يتم طرحه ومناقشته وليس الختان وعقوبته دون قناعة وثقافة وتفكير.. نريد تحرير العقل لا ختانه.
"عن الوفد"