الطقوس الإعلامية
كما كانت هناك خريطة رمضانية للأعمال الفنية والدينية والترفيهية والتى تقدم على شاشة التليفزيون المصرى فى رمضان منذ «الثمانينيات» حتى «يناير 2011» فإننا اليوم قد أصبحنا أمام طقوس إعلامية تفرض سطوتها وقوتها وآلياتها على الإعلام المصرى بكل ما تحمله من مادية ونفعية وسيطرة شركات الإعلانات المصرية والعربية على سوق الإنتاج الإعلامى وتفرض قوانين السوق والربح والخسارة فى مقابل الإعلام والفن والرسالة والقيمة، خاصةً أن الإعلام المصرى على وشك الانهيار الذى أصاب من قبل المسرح المصرى بعد صحوة الستينيات وغفوة وانهيار الثمانينيات والتسعينيات والهجمة الخليجية النفطية التى أصابت المسرح فى مقتل وتحول النجوم إلى مسارح القطاع الخاص وذلك الكباريه السياسى والفنى الذى شوه صورة مصر والمصريين من أجل جلب الأموال وإضحاك أصحاب النفط والسياحة الصيفية الترفيهية... .
وإذا كانت السينما هى الأخرى قد شهدت مرحلة أفلام المقاولات لمواكبة شرائط الفيديو وسوق المصريين العاملين بالخارج فانهارت السينما المصرية وعزف الكثير عن الإنتاج والإبداع حتى عادت أفلام الكوميديا فى أواخر التسعينيات وبدايات الألفية الثانية... ولكن لم تحظ السينما المصرية بذات البريق والمكانة التى حظيت بها مع بدايات العمل السينمائى فى النصف الأول من القرن الماضى... وإذا كانت صحوة الدراما التليفزيونية فى أواخر السبعينيات قد واكبت انحدار المسرح والسينما وظهرت كفن جديد تسابق الكتاب والنجوم والمخرجون فى الاشتراك به من أجل إبداع قوة ناعمة جديدة لها تأثير متميز من التأريخ والتأصيل للمجتمع وتغيراته ورسم شخصيات تعيش وتتفاعل مع المشاهد ولغة وحوار وموضوعات تنوعت بين السياسة والثقافة والبعد الإنسانى وحركة التغيير الاقتصادى وبدايات الحركات الإسلامية والعديد من القصص والحكايات عن «صعيد» مصر و«بحري» وعن شخوص «دينية» وأخرى «علمية» و«سياسية» و«دراما أطفال» و«كرتون» وغيرها من الأعمال التى كانت بصمة فى حركة الإبداع المصرية والعربية.
وذلك لأن كان هناك جهة تدير الإعلام وتضع خطة وسياسة فلقد كانت هناك وزارة للإعلام ومجلس لأمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون مكون من شخصيات مرموقة علمية وأكاديمية ومهنية لوضع السياسات العامة والموافقة على إنشاء قنوات متخصصة ومدينة الإنتاج الإعلامى وقطاع للإنتاج الدرامى وتبارى كبار الكتاب فى الإبداع وتنافس النجوم والنجمات ليحظوا بساعات مشاهدة متميزة على شاشة التليفزيون المصري، وكانت هناك لجان لقراءة النصوص وأخرى للمشاهدة قبل العرض وقبل الإنتاج... وتنوعت الشاشة بين دراما وأعمال ثقافية وفنية ولقاءات وحوارات وتاريخ ودين وكانت هناك رقابة تحدد وتضبط البوصلة حتى يصل الإعلام للجميع ولا يذهب إليه من يريد شراء تذكرة سينما أو مسرح... وبعد حل وزارة الإعلام وظهور كيانات موازية من هيئات وشركات أصبح من يضع السياسات الإعلامية هم أصحاب المال من شركات الإعلان والقنوات العربية التى تشترى وفق ما تراه يفيد أهدافها وجمهورها فضاع الإعلام المصرى بين المال والتخبط.
فوضى إعلامية فرضت نفسها على الشاشات المصرية لأنه لا توجد خطة أو سياسة إعلامية واضحة لها أهداف ولها رسالة تهدف إلى رفع الوعى باستثناء المسلسلات الوطنية والتى تمزج بين الدراما «التسجيلية» وبين الدراما «التوعوية» مثل «الاختيار 1و2» وأصبح الطقس الإعلامى متأرجحا بين بلطجة وجرائم شرف وعرض وقتل ودم وألفاظ وحركات وملابس تؤصل لصور مشوهة عن الواقع المصرى وتفرضها علينا وترسخها فى وجدان المشاهد المحلى والقومي... أخجل أن يكون هذا إعلام بلدى الذى علم العالم معنى الفن ومغزى الحضارة...
عن (الوفد)