وماضربها وأستوحش عليها إلا بالفتوى
ولأننا شعب متدين بطبعه، ويميل الي مايقرره الفقهاء ويلتزم به وينجزه ، فلقد إستوحش صاحبنا علي هذه المسكينة كغيره من النشامى وضربها واهانها كما افتوه ، وكأن العلاقة الزوجية تتجاوز مراحل الوعظ والإرشاد والألفة والسكن والمودة منذ اليوم الأول ، ولايجبر أن يتقيد بهذا الترتيب ويبدأ من حيث يري، وهذا راى فقهي ايضا ، فمن حقك ايها الجسور ان تبدأ بالضرب والجلد في شبابك وفحولتك وفتوتك، وتنتهي بالنصيحة والمودة عند الكبر والهرم ، ويكون السكن والمودة رهين محبسك عند العجز وقلة الحيلة، هذا حقك ايضا ، و حتي لو كان الضرب آخر مراحل العلاج كما جملوه لك ، فربما كان الكي عند الضرابين من الرجال التجربة الاولي والاخيرة، والعقار والترياق الوحيد ، وإن كان هذا عند الضرورة كما نصحوك ، فيجوز للمهرولين من الرجال تخطي محطات القوة والمقدرة ويتجاوزون إشارات الطاقة والجدارة فلا يتكلفون عناء الصبر ولايتجشمون مشقة التحمل، والأمر من قبل ومن بعد بإرادتهم وليس بغيرهم .
وعندهم ايضا مايناسب الظروف والاحوال ومناطق الضعف والخلل، فإن كان الضرب كما نصح الفقهاء يفضى الي خلاف وصراع وتشابك بينك وبين اشقائها وأهلها، وخشيت ان يسحلوك سحلا أنت واهلك، وتري من العذاب والمهانة مايثنيك طول العمر عن فعل هذا معها اوغيرها، أوتفزع ان يقضى ضربها الي سوء اخلاقها ، فتري منها مايؤذيك ويهينك ، فقد نصحك شيخ الإسلام بن تيمية الي تجنب الضرب وتركه وعدم فعله حتي تأمن عواقبه السيئة، وعليك بالصبر علي البلاء، وتحمل مايقع منها من سوء الخلق ، الي ان يعجل الله بأمر كان مقضيا ، ومعني هذا ياصديقنا كما تري، كن اسدا مقداما علي الضعيفة المسكينة، وجريئا جسورا علي من لاأهل لها ولاسند، وصنديد علي مهيضة الجناح ، وكن عصا غليظة تحطم ضلوعها ضلعا وراء الآخر كل ليلة قبل الإمتطاء والركوب ، فلافرق بينك وبين الإستئساد علي العزل من السلاح وقتلهم في الشوارع لإعلاء راية الإسلام، ضعف الطالب والمطلوب والضارب والمضروب، فكلهم عندي سواء.
صاحبنا هذا محل الحديث، لطم وصفع ووكز زوجته وركلها ولم يستعمل السواك او فرشاة الاسنان كما نصحه بذلك المشايخ الاجلاء، وبعضهم اخيرا تنصح الرجال الضرب بعود الفل والياسمين ، والغرض كسر شوكة المراة وإرادتها وكبريائها، ايها الرجال الاعزاء فليحتفظ كل منكم بعود من السواك او فرشاة اسنان او اعواد من الفل والياسمين، ونزيد عليها للإحتياط اعواد من البرسيم او الجزر لزوم تاديب الزوجات في الشوارع، حتي يكون التاديب هينا ولطيفا وشرعيا، وحتي يجتمع المارة ليشجعوا ويصفقوا لهذا الرجل الوسيم الذي يؤدب زوجته باللين والهوادة ، وربما نفكر في منح جائزة لمن هو اكثر لطفا ورفقا بزوجته عند الضرب والتاديب، ولاأعرف من اين اتي بعض الفقهاء بدراسة الآثار المترتبة علي ضرب الزوج لزوجته إذا احدث بها عاهة مستديمة او ماتت من التاديب والتهذيب، وماهو حكم الشرع في هذا؟ ومن اراد من السادة القراء ان يعرف حكم الفقهاء في هذا الامر ان يعود الي المراجع، فهل كان الفقهاء الافاضل حين اختلفوا في مسؤلية الزوج عن إحداث العاهة المستديمة او الموت جراء ضربها علي علم ان السواك او الفرشاة او عود البرسيم أو الياسمين قد يؤدى الي القتل او الي إحداث عاهة مؤقتة أو مستديمة، إن لم يكن الضرب مباحا بالشومة او البالطة او الخناحر أوالسيوف ؟
وللسادة الافاضل الذين يخففون عنا وقع كلمة" ضرب"ويحاولون البحث عن تجميلها مخالفين عما فسره المفسرون ، واعتاد عليه الناس ، قد ادانوا دون قصد كل الرجال في تاريخنا كله، وكان الضراب رقم واحد هو " الزبير بن العوام" فقد كان ضرابا لنسائه لايشق له غبار، ومنهن" اسماء بنت ابي بكر" ولم نسمع من إعترض علي ضربها، اللهم إبنها عبد الله، رحمة بأمه فقط، وإن كان معني الضرب متعدد في اللغة، كضرب الوتد اي دقه، وضرب الدرهم اي طبعه، والضرب في الارض اي الجد والسعي في الرزق ، وضرب بكلامه عرض الحائط أي اهمله ، وضرب عليه الحصار اي عزله، وضرب الدهر بين القوم اي فرق بينهم وعزلهم، حتي وصلوا الي ان المقصود بالضرب في هذه الآية هو المباعدة والهجر خارج المنزل ،وهو غير الهجر في المضاجع ، فهذا تفسير ليس في محله ، و هذه المباعدة مرفوضة، وان الضرب فى هذه الآية واضح وصريح من السياق القرآني، هو الضرب والتاديب ليس غيره ،(وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) ولو كان الأمر بهذه البساطة لتنبه لهذا كل الفقهاء القدامى والمحدثين في تاريخنا ووصلنا جميعا الضارب والمضروب الي هذه النتيجة.
ايها السادة المشايخ والشراح والمفسرون ، إحترموا عقولنا ، الضرب هو الضرب ، دون تجميل او تخفيف بالسواك او فرشة الاسنان ، ونرجوكم الإقرار ان هذا الحكم " زمانى مكانى " وكان متاحا ومقبولا في حينه كغيره من الاحكام التى نسختها القوانين الوضعية، والتي لايجوز الخروج عنها ، والإقرار للشعب ان الإلتزام بالقانون واجب عن الإلتزام بالشرع، ومخالفته جريمة.. وكفي (الدولة المدنية هي الحل).
"من صفحته"