زعامة دينية لا ملك.. ودين لا دولة

إلا أن الرسالة كانت تستدعى زعامة دينية للرسول بين أهله وعشيرته، حتى يستطيع أن يمارس مهمته.. والزعامة الدينية أقوى نفوذا وسلطة من الزعامة السياسية، بل هى أعلى مقاما من كل العلاقات الإنسانية، وأقوى من صلات الرحم.. والزعامتان متناقضتان ومتخاصمتان ولا تجتمعان فى مكان واحد أو فى شخص واحد وإلا تاهت الرسالة بينهما. وقد كان ضروريا أن يكون الزعيم الدينى «النبى» متفردا وفريدا وعاما وشاملا ومهيمنا دون شريك أو وسيط، وسلطانه وسلطاته أعلى من سلطات الحكام والملوك، ومجاب ومسموع ومطاع دون دستور أو عقد إجتماعى أو تحديد سلطات حاكم أو محكوم، شاملا الإنسان وما يحيط به من مال وولد وجسد، وضمائر ونفوس ودخائل، والظاهر من النفوس وباطنها، وعلاقة الإنسان بما يحيط به من إنسان وجماد، حتى علاقة الرجل بزوجه وأهله وولده.. بمعنى أعم حياة الناس حتى مماتهم بين يديه وعلى لسانه وعلى حدود عينيه التى تتجاوز عيون الجميع، وليست هذه السلطات الروحية كلها من سلطة أى حاكم، بل هى من سلطة الأنبياء فقط ليس غير.

هذه الزعامة الدينية الروحية محدد لها ومقرر عليها أن تبلغ عن الله دون زيادة أو نقصان، «قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل» وكذلك «فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ»، فليس للرسول سلطة الإجبار، وليس له حق الإملاء أو الإكراه، وليس بوكيل عن الناس، فمن اهتدى منهم فلنفسه ومن ضل فعليها، وهذا ما دفع ابن تيمية إلى أن يتعامل مع مقام النبوة معاملة الإنسان العادى دون تقديس أو إعجاز، وعلى اعتبار«قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد».. فهو لهذا يرفض سؤال النبى والاستعانة به والشفاعة والمدد منه حال حياته أو وفاته، ويرى وغيره أن عصمة الأنبياء فيما يوحى إليهم به فقط، وغير هذا فلا عصمة لهم، ويرفض بركة النبى وأهل بيته متعللا بقول النبى نفسه «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله»، حتى إنه قد نهى عن زيارة قبور الأولياء والصالحين وحتى الأنبياء بمن فيهم رسول الله، وكتب فى هذا كتابا «لا يجوز لأحد أن يشد الرحال إلى قبر النبى، لكن يشد الرحال إلى المسجد فقط»، وفى هذا يقول «إذا خرج الرجل من بيته وقال: سأزور قبر الرسول فهذا سفر معصية»، وحُبس فى سجن القلعة بدمشق بسبب كتابه هذا حتى رحل عن دنياه.
عن المصري اليوم

التعليقات