تسطيح الثقافة الجامعية!

بحسن نية، وظنا منه أنه "جاب الديب من ديله"، أصدر المجلس الأعلى للجامعات منذ عامين قرارا بإلغاء الكتاب المطبوع في جميع الجامعات بلا استثناء! على اعتبار أن قراءة الكتب المطبوعة أصبحت رجزا من عمل الشيطان! وأن الكتاب المطبوع إذا تم ضبطه في أي كلية، يعاقب مؤلفه وموزعه بالعقوبة المقررة لتجار المخدرات!!.. ليس هذا من باب التندر أو السخرية لا سمح الله، بل تلك هي الحقيقة المرة التي يواجهها أساتذة وطلاب الجامعات منذ صدر قرار المجلس الأعلى الذي أكد على أن يقتصر التعامل في المناهج الدراسية مع المادة المنشورة على مواقع الجامعات أو اسطوانات تباع للطلاب، ظنا من أعضاء المجلس الموقر أنهم بهذا القرار يحققون طفرة في التعليم الجامعي وأن هذا النظام الجديد سينتج نوابغ وعباقرة وخريجين على درجة عالية من الكفاءة العلمية!.. فماذا حدث؟! يضطر الطلاب لدفع رسوم المادة المنشورة على اسطوانات مدمجة ثم يضطرون مرة أخرى لطباعتها بأغلى الأسعار في المكتبات الواقعة في محيط الجامعات، وهكذا يجد الطالب نفسه محملا بأعباء مالية ضعف ماكان يتحمله قبل تطبيق النظام الجديد. ثم إن هناك الآلاف من الطلاب الذين ينتمون لأسر فقيرة يسكنون القرى، والكفور، والنجوع ولا يملكون أجهزة كمبيوتر ولا حتى أجهزة موبايل حديثة، ومعظم هؤلاء حريصون على استذكار المقررات الدراسية من الكتب المطبوعة ويضعون خطوطا وعلامات أسفل الفقرات المهمة للتركيز عليها في المذاكرة، فأصبحوا في حيرة من أمرهم بسبب هذا الوضع الجديد.

كنا نتمنى بعد مرور عامين على تطبيق هذا النظام أن يكلف المجلس الأعلى للجامعات بيت خبرة أو جهة محايدة باجراء دراسة ميدانية وتحليلية عن إيجابيات وسلبيات هذا النظام، وأن يستطلع آراء عينة من الطلاب في مختلف الجامعات المصرية للوقوف علي مدى ما حققه لهم من مزايا أو مساوئ!. أن أساتذة الجامعات الذين يعيشون في أوساط الطلاب ويعرفون ظروفهم واحتياجاتهم المادية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية، يدركون تماما مدى ما تعانيه الغالبية العظمي من هؤلاء الطلاب وأسرهم بسبب هذا النظام الجديد الذي ثبت فشله تماما. ثم إن هناك ما هو أخطر من ذلك؛ لقد قضي هذا النظام على التأليف الجامعي، فلم يعد من يحرص على تأليف كتاب جديد عن طريق احدي دور النشر لطرحه في معارض الكتب الشهيرة في كافة الدول العربية كما كان بحدث في الماضي.

لقد ساد خلال العامين الماضيين ما يمكن أن نطلق عليه "تسطيح الثقافة الجامعية"!، حيث لم يعد الطالب في حاجة الا لمذكرة تحوي بضع صفحات مطبوعة على اسطوانة مدمجة، يعيد طبعها ورقيا بدلا من الكتب الدسمة التي تحوي الثقافة الجادة وتنتج خريجين مثقفين في مجالات تخصصاتهم. ثم إن من مساوئ إلغاء الكتاب المطبوع بالجامعات، إغلاق آلاف المطابع وقطع أرزاق آلاف العمال المهرة في مجال الطباعة، فتحول هؤلاء الي سائقي تكاتك! وبعد ذلك نسأل أنفسنا: هي ليه مهنة سواقة التكاتك باظت ودخل فيها كل من هب ودب! يا أساتذتنا في المجلس الأعلى للجامعات لا تقطعوا أرزاق عمال المطابع! ارحموهم وارحمو أولياء أمور الطلاب.. يرحمكم الله دنيا وآخرة!!

"عن البوابة نيوز"

التعليقات