أنا اسمي فاطمة سعيد من مصر

صدمتني تعليقات البعض على لقطة الرقص بالعصا في حفل السوبرانو المصرية العالمية فاطمة سعيد بالمتحف المصري الكبير!. 
 
حزنت وفجعت، وشعرت بالأسى لما وصلنا إليه!. 
 
بعض من علقوا كشفوا عن حجم التردي والانحدار، ولا أقول جهل وتدني ذوق وتذوق وفهم الموسيقى، ورسالة الفن السامية. 
 
قالوا «لا يصح في المتحف وسط آثار مصر العظيمة أن نرقص بالعصا، عيب!!، هذه إساءة فظيعة للحضارة والتماثيل»، ونسي مثقفو السوشيال ميديا أن فن الرقص بالعصا (التحطيب) اخترعه المصريون القدماء، ورسموه على المعابد!. نسوا أن فرقة رضا، والعظيمة فريدة فهمي، رقصت في أكبر معابد مصر، ونسوا أن أعظم فناني العالم جاءوا وصوروا وغنوا وسط آثار مصر، وأن أعظم أوبرات إيطاليا، «اوبرا عايدة» كتبها فيردي عن قصة حب مصرية وقعت أحداثها في المعابد والمقابر الفرعونية، وأن الدولة بنفسها قدمتها في الهرم وأمام أبو الهول!. 
 
في حفل فاطمة سعيد بالمتحف، الذي حضره أكثر من ألفي شخص، لم يتوقفوا عن التصفيق لمدة ساعتين، مال عليّ صديق أجنبي عاشق للحضارة المصرية، أجل سفره خصيصاً ليحضر الحفل، وقال «لا بد أن الملك العظيم رمسيس الثاني الذي تغني فاطمة أمامه فخور بحفيدته، وسعيد بغنائها الجميل». 
 
قلت «فاطمة كسرت بالعصا جبل الثلج بين جمهور الأوبرا الأرستقراطي، والجمهور العادي الذي غنى معها مصر هي أمي». 
 
كانت ليلة المتحف كما شاهدتها وعشتها مع المئات هي «ليلة في حب فاطمة».
 
أصرت أن تغني، وألا تلغي الحفل، رغم آلامها وحزنها على وفاة جدتها الغالية قبل أيام، قالت «اليوم من أغلى أيام حياتي، ورغم غنائي في أكبر مسارح العالم، إلا أن غنائي هنا في بلدي، وفي هذا المكان، وسط حضارة وآثار مصر العظيمة، شرف كبير وتاريخ لن أنساه ما حييت».
 
اختلطت مشاعر البنت المصرية التي تعيش أجمل سنوات شبابها وعطائها في غربة طويلة بين عواصم العالم، شعرت للحظة أن هذا مكانها، بين أهلها، وأسرتها وأحبائها وذكرياتها، وغنت من قلبها، كما لم تغن من قبل، وسحرت الجمهور.. غنت «أعطني الناي وغني فالغنا سر الوجود»، أغنية فيروز الشهيرة، بتوزيع أوركسترالي رائع، حلقت بها في فضاء المتحف الكبير.
 
غنت فاطمة لسر الوجود في حضرة الخلود.
 
وقبل غنائها في مصر، غنت في كل مكان.. 
 
في ألمانيا، وحصلت هناك على جائزة أفضل مغنية أوبرا شابة في العالم. 
 
وفي لندن، منحتها إذاعة bbc في 2021، بعد استطلاع شارك فيه آلاف المستمعين أرفع جائزتين، أفضل ألبوم، وأفضل مطربة. 
 
ولأن فاطمة كانت سفيرة للفن والثقافة المصرية في العالم، استقبلها رئيس الجمهورية وكرمها في ملتقى شباب العالم، وكان التكريم الرفيع لبنت مصر، فخر بلدها التي تغني لعبد الوهاب وفريد الأطرش وشادية وأسمهان ونجاة الصغيرة في كل حفل على مسارح العالم، ترفع اسم مصر وموسيقاها وثقافتها فوق رأسها. 
 
وتقف فاطمة، العام الماضي وسط حشود تجمعت بالآلاف في ميدان كونكورد بباريس، في حفل «جلوبال سيتزن»، لتقول قبل أن تغني «أنا اسمي فاطمة سعيد من مصر»، فيقف الآلاف احتراما، ويصفقون للبنت المصرية. 
 
وقد لا يعرف «حزب النميمة والهري الفارغ المعترض على الرقص بالعصا»، أن أكبر شركة للإنتاج الموسيقي في العالم «وارنر كلاسيك»، اختارت فاطمة سعيد لتنتج لها لعامين متتاليين، ألبومين،  هما «النور» و«كاليدو سكوب»، وفي الألبومين أصرت فاطمة سعيد أن تضمنهما أغنيات مصرية وعربية من كلاسيكيات الموسيقى الشرقية. 
 
في الطريق إلى حفل المتحف الكبير، وبينما كانت عشرات السيارات تقف في طابور طويل، انتظارا للدخول من بوابة المتحف، سأل سائق سيارة عابرة «مين دي اللي العربيات موقفة طريق مصر الإسكندرية عشان حفلتها؟!»، قلت «فاطمة سعيد». 
 
ولمن لا يعرف: هي فاطمة أحمد حسن سعيد، اكتشاف مغنية الأوبرا المعروفة نيفين علوبة، نشأت في بيت علم وثقافة ووطنية، الأب هو الدكتور أحمد سعيد، أستاذ العلوم السياسية، البرلماني السابق، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، والنائب السابق لرئيس النادي الأهلي، والأم هي السيدة الفاضلة نيفرت مصطفى الشريف، والأخت هي الدكتورة عائشة سعيد، أستاذة علم «التعليم الحديث» بألمانيا، والأخ هو الدكتور المحامي الدولي حسن سعيد، والعم هو المهندس النابه هشام سعيد، رئيس مجلس إدارة واحدة من أهم شركات أجهزة الاتصالات في مصر، والجد الكبير من ناحية الأم هو الأديب العظيم، عميد الأدب العربي طه حسين. 
 
هي المصرية الوحيدة التي تم اختيارها مع جراح مصر العالمي، الدكتور مجدي يعقوب لتكرمهما الجالية العربية في واشنطن خلال أسابيع. 
 
في أول مشوارها مع الاحتراف، وقفت فوق خشبة أعرق أوبرا في إيطاليا، «أكاديمية لاسكالا»، حلم أي مغنية أوبرا في العالم. 
 
غنت على أكبر مسارح نيويورك وباريس ولندن وإيطاليا، واختارتها الأمم المتحدة لتغني في وادي الملوك بمصر، وأشاد بها العالمي إلتون جون عندما غنت إغنياته في باريس، وأشادت بها أسرة ملحن مصر العظيم محمد عبد الوهاب، عندما غنت ألحانه على مسارح العالم. 
 
مشروع فاطمة سعيد الموسيقي، وحلمها الكبير الذي تعمل عليه منذ سنوات بالتعاون مع جامعة أكسفورد، هو جمع كل أعمال وألحان عبد الوهاب، وكتابتها للأوركسترا. 
 
فاطمة اكتشفت (وصدمت) بأن  فرق الأوركسترا العالمية خارج مصر لا تعزف موسيقى عبد الوهاب، لأنها بدون نوت مكتوبة ومسجلة في الأكاديميات الموسيقية ومسارح العالم، فقررت أن تحمل هذه المهمة على كاهلها، واتفقت مع جامعة أكسفورد على حفظ أعمال عبد الوهاب كتراث مصري للإنسانية. 
 
فاطمة غنت وهي تخطو أولى خطواتها على مسارح أوروبا أنشودة عبد الوهاب الخالدة «صوت الجماهير»، وأدت بصوتها صولو عبد الوهاب وأصوات الكورال في آن واحد. 
 
في دار الأوبرا التقيت قبل حفل فاطمة سعيد بالمتحف الكبير المايسترو نادر عباسي، أعرف أن فاطمة مغنية الأوبرا المفضلة له في العالم، وأعرف أيضا أنها تحترمه، وتحب أن يقود حفلاتها في مصر، قلت له «فاطمة ابنتي، وكنت أول من قدمها تليفزيونيا في مصر وهي صغيرة»، وعندما سألته عنها، تدفق كلامه بحماس وحب هائل، قال «شوف، ناس كتير بتتكلم عن العالمية وهي مش فاهمة يعني ايه عالمية بجد، بقول لهم، شوفوا فاطمة سعيد عامله ايه في العالم.. أكبر اوبرات العالم بيطلبوها بالاسم، فاطمة عملت اسم وتاريخ وكارير في العالم كله، ومصر هتعرف قيمتها السنين الجاية». 
 
وهنا تذكرت كلمة فاطمة أمام الحشود في أكبر ميادين باريس «أنا اسمي فاطمة سعيد.. من مصر".. وتوقف الكلام!
 
مقال/ محمد الشبه
الوطن
 
التعليقات