متابعة أخبار الكوكب بعد الإفطار

العالم يتغير بكل تأكيد.
 
البعض يقول إنه يسير بكل ثقة نحو الهاوية، والبعض الآخر يرى أنه يجدد نفسه كما يحدث فى الطب التجديدى، حيث يرى ما يجرى من هرج سياسى ومرج اقتصادى فى أرجاء المعمورة باعتباره مرحلة من مراحل تجديد الخلايا وتصحيح المسار.متابعة عناوين أخبار الكوكب أصبحت أشبه بفيلم هوليودى سمته الإثارة، ومتعة متابعته تفوق أضرار الأدرينالين المتدفق لفرط الانفعال.الكوكب المنفعل الآن بينما يتابع اللامعقول الذى لو سُرد فى فيلم خيال علمى أو غير علمى لوصمناه بالمبالغة المفرطة، متمثلاً فى محاكمة الرئيس الأمريكى السابق ترامب، يجد نفسه غير قادر على تكوين رأى أو موقف تجاه ما يحدث.
 
ودون لف أو دوران، فإن مواقف الثمانية مليار إنسان سكان الأرض من ترامب تحددها قناعاتهم فيما يختص بأمريكا من جهة، ومواقف التيارين الرئيسيين فى أمريكا من قضايا بلادهم من جهة أخرى. كارهو ترامب والمواقف التى اتخذها مثلاً ضد تيارات «الإسلام السياسى المتطرف» سعداء بما يتعرض له الآن من محاكمة مدوية تاريخية، والعكس صحيح.
 
ولكن المتابع الأكثر عمقاً أو فهماً يعرف أن مجريات محاكمة ترامب ربما تصب فى مصلحته حال قرر أو سُمح له بالترشح مجدداً لمنصب الرئاسة العام المقبل.
 
وللعلم والإحاطة فإن لترامب وما يمثله ترامب من منظومة «فكرية» قاعدة شعبية كبيرة فى أمريكا.بمعنى آخر، ما يُكتب ويذاع ويبث فى وسائل الإعلام الغربية بشكل عام، والأمريكية بشكل خاص، من تعامل مع ترامب باعتباره شخصية هزلية غريبة الأطوار لا تحظى بشعبية حقيقية ولا تمتلك تأييداً فى الشارع الأمريكى ليس حقيقياً. أغلب ما يرد فى وسائل الإعلام يعبر عن جانب واحد من الحقيقة التى تبدو أكثر نخبوية وأعلى ثقافة وأعمق فكراً.
 
والشارع الأمريكى بالغ الاتساع ومتعدد التوجهات، وهذا ليس منعكساً فى الإعلام الغربى بشكل عادل.
 
لقد دخل الإعلام طرفاً فى النزاع، وبات الكثير من عناوين الأخبار المتعلقة بترامب جديراً بأعمدة الرأى.مجريات محاكمة رئيس أمريكى على الهواء مباشرة ليست وحدها ما ينبئ بأن أحوال الكوكب باتت غريبة.
 
لكن حين تطالعك لوحات إعلانية ضخمة فى شوارع العاصمة البريطانية لتخبرك أن «لندن جائعة ولو كنت مقتدراً فيمكنك التبرع لبنوك الطعام، ولو كنت جائعاً يمكنك الاستفادة من بنوك الطعام»، أو يغرد عمدة لندن صديق خان أمس بأن «نصف سكان لندن حالياً يصارعون مادياً، وأن قاعة البلدية تعمل على توفير عشرة ملايين وجبة لعائلات لندن، حيث يتم العمل من أجل ألا يبقى طفل جائع أثناء الدراسة أو فى أثناء العطلة (عيد الفصح)»، فإن هذا أيضاً يخبرنا أن الكوكب لم يعد كما كان.
 
بريطانيا تمر بأزمة غلاء ومعيشة غير مسبوقة طالت تقريباً نصف السكان لدرجة دفعت البعض لتقليل عدد الوجبات بغرض الترشيد. ووصلت إضرابات العاملين فى القطاع الصحى والنقل والمواصلات العامة والبريد ومكاتب الجوازات وقوات حماية الحدود والمعلمين والسائقين وغيرهم احتجاجاً على غلاء المعيشة إلى معدلات قياسية.والأمر لا يختلف كثيراً فى بقية الدول.
 
وكالة بلومبرج تقول إن أزمة التضخم الحالية تدفع الدول الأوروبية إلى خوض معركة غذائية دفعت ملايين البيوت إلى ضغط نفقاتها ضغطاً غير مسبوق.
 
من جهة أخرى، فإن حرب روسيا فى أوكرانيا ليست ماضية قدماً نحو أية ملامح فى الأفق تدلل على قرب انتهاء الصراع، وهو الصراع الذى ضرب المئات من دول العالم بدرجات متفاوتة.
 
وبين انقطاعات سلاسل إمداد المواد الأولية والخام التى أدت إلى ارتفاعات غير مسبوقة فى العالم، ناهيك عن آثارها المدمرة على حركة التجارة العالمية والأمن الغذائى، وهى الآثار المتوقع استمرارها لسنوات حتى بعد انتهاء الأزمة، يتجرع العالم مرارات مضاعفة.
 
ونضيف إلى ذلك آثار التغير المناخى التى لم تعد مجرد مخاوف نظرية، بل أخطار كشرت بالفعل عن أنيابها.وكأن كل ما سبق ليس كافياً، فهناك من يلمح بأن ما نعيشه وما نحن مقبلون عليه هو حرب ثقافية وقومية كبرى قائمة على تنافس جيوسياسى غير مسبوق، لكنها متنكرة فى صورة صراعات اقتصادية واقتتالات سياسية.
 
غاية القول، أنه علينا أن نوجه جانباً ضئيلاً من وقتنا وتركيزنا بعد الإفطار وبين جرعة الدراما المكثفة التى نشاهدها بشغف ووله شديدين ثم نهرع لصب زخات النقد الفنى الشعبى الهادر على رأس المنظومة الدرامية بأكملها، ونمضى ما تبقى من وقت فى متابعة أسئلة عتيقة وردود أكثر عتاقة حول حكم من مارس العلاقة الحميمة مع زوجته وهو صائم، أو موقف قطرة العين ونقط الأنف والشطاف فى نهار رمضان، علينا أن نولى دقائق معدودة للتأمل فى أحوال الكوكب من حولنا، لعلنا نخرج بنظرية تختلف عن سيره نحو الهاوية، أو توجهه لتجديد نفسه.
المقال / امينة خيرى 
الوطن

 

التعليقات