«الإمام».. رسائل الماضي إلى الحاضر

 
ضمن كل الإنتاجات الضخمة التى أثرت بها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية الدراما، لم يغب عنها المطالبة بمراجعة سبب غياب مصر عن الدراما الدينية والتاريخية، رغم التاريخ الحافل من الإنتاج المصرى لهذه النوعية من الأعمال الرائعة. جاء هذا العام الرد الذى تحمست شركة «ميديا هب - سعدى - جوهر» مع الشركة المتحدة لإنتاجه، بكل مقاييس ما تتطلبه هذه الأعمال من إنتاج ضخم ومستوى عالٍ من الدقة فى كل العناصر.اختيار شخصية الإمام الشافعى حالفه التوفيق لعدة أسباب. أولاً، هو أقرب أئمة الفقه الأربعة للمصريين بسبب قرابته إلى رسول الله صلى
 
الله عليه وسلم، الوحيد الذى عاش معهم فى مصر.
 
ثانياً، استحضار التاريخ بدروسه تحديداً الرسائل التى وضع أسسها المذهب الشافعى نموذجاً للوسطية ونبذ التطرف والتشدد ومنها إشارات التقاء التراث الإسلامى والمسيحى فى عدة مشاهد.
 
ثالثاً، الدعوة إلى التنوير وتوظيف العلم لخدمة الدين كما وضحت رحلات الإمام طلباً للعلم.
 
رابعاً، توظيف الفنون ومنها الشعر فى نسيج الدراما بما يشير إلى إسقاطات تؤكد أن الكثير مما قدمه أئمة التنوير لمواجهة التشدد ما يجب استحضاره لصد الأفكار المسمومة التى يحاول بثها المتاجرون بكل القيم الدينية فى سبيل إطماعهم.
 
حالة إبداع العمل نقلت من التاريخ إلى الحاضر رسائل الوسطية والعقلانية مثل الجمال، والمحبة، والعلم.
 
يحسب للمسلسل توافر جميع المقاييس الفنية للإنتاج الضخم.. كادرات مدير التصوير تيمور تيمور المتميزة فى إبراز تفاصيل الديكور وجمال المشاهد الخارجية تحديداً فى الصحراء ومشاهد مدينة الفسطاط.
 
بصمات المخرج الليث حجو ظهرت بتقنية عالية فى جزئية حركة الكاميرا، اختيار تصميم الأزياء للمبدعة الدكتورة سامية عبدالعزيز وتفاصيل الإكسسوار وتناغمها مع ديكور كل مشهد، منطقية الأحداث التاريخية ضمن سياق التصنيف الرئيسى للمسلسل كعمل درامى.
 
دقة المخرج فى تحديد أداء الممثلين الذى جاء بعيداً عن الافتعال والمبالغة فى أداء ممثلى بعض المسلسلات التاريخية.
 
عنصر تنوع اللهجة أضفى سلاسة وحميمية بين المشاهد والعمل بالإضافة إلى زيادة المساحة المستهدفة لجذب متابعيه وليس فقط مخاطبة شريحة محددة.
 
التنقل بين لغة خطاب الشخصيات على اختلاف مستوياتها العلمية والاجتماعية دعم مصداقية السيناريو.خالد النبوى فى هذا العمل يواصل بهدوء مسيرة النضج الفنى.
 
المراقب لأداء خالد النبوى فى مجمل أعماله لا يستطيع فصل كونه تلميذاً باراً لمدرسة المبدع يوسف شاهين فى ضبط الأداء على درجة تجمع بين التلقائية والسلاسة، وبين تحكم حواس وتركيز الممثل فى إيقاع التعبير عن تفاصيل أداء المشهد، وهو ما ميز أداء «النبوى» ببراعة لدور الإمام الشافعى معتمداً التعبير عن مشاعره المتضاربة بوجهه وحركة جسده بعيداً عن ردود أفعال مغالى فيها أو انفعال.
 
مسلسل الإمام الشافعى تحدٍّ يكمل الملامح العامة للتنوع الدرامى نجحت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية و«ميديا هب - سعدى - جوهر» فى تحقيقه، تجاوزاً لكل المبررات السابقة حول تأخر هذه الخطوة فى الدراما المصرية سواء صعوبة التنفيذ أو التكاليف الإنتاجية الباهظة، لتقدم عملاً درامياً اتسمت كل عناصره بالتميز.. الدليل على النجاح الباهر للعمل هو الصيد الرخيص للمسلسل بعد ساعات على عرضه من كتائب أهل الشر والتطرف و«الدكاكين» الفضائية التى تبث من دولة أجنبية.
 
 
المقال / لينا مظلوم
الوطن
التعليقات