شوماخر وعالم جديد بلا أخلاق
حفاظا على تقاليد وأخلاقيات مهنة الصحافة.. فقدت آن هوفمان السبت الماضى منصبها كرئيسة لتحرير مجلة دى اكتوايلى الألمانية منذ 2009.. وكانت آن قد نشرت في العدد الأخير من المجلة حوارا مزورا مع بطل ونجم سباقات السيارات الألمانى مايكل شوماخر.. حوارا مزورا وملفقا لم يدل به شوماخر أصلا الذي اعتزل السباقات والحياة الطبيعية بعد حادث تزلج في 2013 كاد يودى بحياته لكنه عاش حتى الآن يعانى صعوبة في الحركة والكلام والذاكرة.. وبعد عام في المستشفى عاد شوماخر إلى البيت حيث لا تزال ترعاه أسرته ولا تسمح لأى أحد برؤيته أو الاتصال به حفاظا على مشاعره وخصوصيته.. ورغم ذلك لا يزال شوماخر أحد النجوم الكبار في تاريخ رياضة السيارات والفائز بـ 91 سباقا وسبع مرات بالجائزة الكبرى منها خمس على التوالى.. ولم تكن شهرة ومكانة شوماخر فقط هي سبب الغضب الهائل على هذا الحوار المزور.
إنما المبدأ نفسه وأيا كان الشخص الذي نسب إليه كلام لم يقله.. وقد أكدت بيانكا بولمان، مديرة المجموعة التي تملك المجلة، أن ما جرى من رئيسة التحرير هو ضد كل معايير الصحافة، ولهذا كان لابد من إقالتها الفورية دون مناقشة أو حتى تحقيق.. وأنه لم يكن لائقا أن تضع رئيسة التحرير صورة شوماخر على الغلاف وتكتب عن أول حوار بعد سنين مع النجم الكبير.. وكان ذلك هو الجزء الأول من الحكاية، أما الجزء الثانى فهو الأكثر تعقيدا وإرباكا.. فالحوار مع شوماخر تم عن طريق استخدام الذكاء الاصطناعى، حيث بدأت التكنولوجيا تحاكى تفكير البشر وانفعالاتهم وردود أفعالهم.. وبذلك كانت إجابات شوماخر في ذلك الحوار الذي لم يحدث هي التي توقعتها هذه التكنولوجيا بعد تغذيتها بمعلومات وحوارات سابقة لشوماخر بحيث يمكن توقع إجابته عن أي سؤال.. ولم يكن حوار شوماخر هو الحالة الأولى أو الوحيدة.. فهناك حكايات أخرى كثيرة لأغان لم يغنها المطربون الذين تم استخدام أصواتهم.. وكتب لم يكتبها المؤلفون الذين تحمل هذه الكتب أسماءهم.. وعشرات الحكايات التي تاهت فيها الفواصل بين الحقيقة والخيال والصدق والأكاذيب، وأصبح من الصعب للغاية التمييز بين ما هو حقيقى أو زائف.. ولهذا قالت أودرى أزولاى، مديرة اليونسكو.
إننا أمام حقبة جديدة ستبدأ وتتغير فيها حياتنا بسرعة هائلة وستتغير الطرق التي نفكر بها ونتعلم ونعمل.. وبدأت تتزايد كثيرا مجالات وتطبيقات الذكاء الاصطناعى لتطال كل جوانب حياتنا.. وعلينا كلنا الآن التفكير ووضع الحدود واختيار العالم الذي نريده والمحافظة على قيمنا ومجتمعاتنا قبل أن تسودها الفوضى.. ولن تبقى الرياضة بعيدة عن ذلك حيث بدأت تطبيقات جديدة تساعد اللاعب والمدرب لمعرفة ما يفكر فيه المنافسون وتوقع قراراتهم وردود أفعالهم.. وأمور أخرى كثيرة قد تبدو بعدها الإثارة أكبر والمنافسة أصعب لكن بعدالة أقل وأخلاق قد لا يكون لها مجال أو مكان.. ليست الرياضة فقط إنما عالم جديد بالفعل قد نكون ضحاياه ولسنا أصحابه.
المقال / ياسر ايوب
المصرى اليوم