نحن أبناء بيئتنا

كلٌّ منا نتاج ما يتعرض له من تجارب، وما يمر به من خبرات، وما يسمعه حوله من كلام صادر عن الأهل والإعلام والمعلم، وكذلك فى الشارع، وما يطالعه ويتابعه فى الـ«سوشيال ميديا». تركيبتنا فى أغلبها نتاج البيئة المحيطة بنا ومكوناتها. تركيبة الطفل أو المراهق الذى يعيش فى قرية زراعية صغيرة فى السويد، حيث حديث الزراعة وتقنياتها والسوق الأسبوعية واهتمامات الحفاظ على البيئة وتنظيم أنشطة اجتماعية، هى نتاج هذه المكونات. أما تركيبة الطفل أو المراهق الذى يعيش فى مخيم عائلات الدواعش، فهى نتاج اختيار الأهل الانضمام إلى هذا التنظيم بفكره ومنهجه، ورايته السوداء، وتفاصيل الحياة اليومية التى كان يعيشها حيث «الدمار غايتنا، الكراهية قدوتنا، إعدام مَن يختلفون معنا سبيلنا، والموت فى سبيل الخراب أسمى أمانينا». وبين النقيضين، مليارات الأشخاص يعيشون فى مشارق الأرض ومغاربها يتعرض كل منهم لخبرات تشكل فكره ومنهجه وأولوياته فى الحياة، ومن ثَمَّ شكل مجتمعه وأداء بلده فى مختلف مؤشرات التنمية والاقتصاد والتعليم والفساد وغيرها.

 

وإذا نظرنا إلى ما يتعرض له الطفل والمراهق والشاب والكهل والشيخ فى مصرنا العزيزة من تجارب حياتية يومية، وما يصدر من الإعلام، وما تموج به قاعات الدرس والشوارع وأثير الـ«سوشيال ميديا» وغيرها سنجد أيضًا مكونات هى ما تشكل وتوجه أداءنا فى شتى المؤشرات الإيجابية والسلبية على حد سواء. تجربة معملية عملية سريعة للأصوات الصادرة من كل هاتف محمول يمسك به أحدهم وينغمس فيه متابعًا لمقطع «تيك توك» أو محتوى شاركه صديق أو تدوينة كتبها أو نقشها أو نقلها آخر. هذه الأصوات لا تخرج عن المكونات التالية: صراخ شخص يؤكد أن الجميع سيُشوى فى نار جهنم وستطارده أفاعى القبور وثعابينها وتتعقبه الوحوش الضارية والحيوانات المفزعة إن هو لم يدخل الحمام بالرجل اليمنى ويمنع مَن «يملك» من نساء من الخروج من باب البيت أو فاتته صلاة أو يستمع لموسيقى وقائمة محفزات الصراخ تطول؛ تعليقات نارية على أهداف كروية، مقاطع لإفيهات من أفلام ومسلسلات قديمة وحديثة يتم تركيبها فى قالب يُفترض أنه كوميدى أو يردده صاحب المقطع بصوت الممثل الأصلى بتحريك شفتيه فى «عمل إبداعى» لا ينم إلا عن فقر إبداع تام ومزمن؛ وصفة طبخ، نصيحة تنمية بشرية أغلب الظن أن صاحبها «ناقلها نقل مسطرة» من مقطع آخر منقول من مقطع آخر مأخوذ من مقطع آخر منقول من كتاب آخر، تحليل سياسى أو تفسير اقتصادى أو هبد اجتماعى مُعاد تدويره أو منقول بتصرف أو منقول بدون أى تصرف. هذه الأصوات، مُضاف إليها ما نتعرض له من خبرات حياتية حقيقية لا تختلف كثيرًا عن مكونات الـ«سوشيال ميديا» التى نعشقها، هى ما يشكل وجداننا ويحدد أولوياتنا ويربى لدينا عقيدة أن هذا هو العالم وهذه هى الحياة.
المقال / امينة خيرى
المصرى اليوم 
التعليقات