همّة فى جدة

عشنا نعرف أن مدينة جدة تتميز بشيئين، أحدهما أنها المدينة السعودية الأقرب إلى مكة المكرمة، فليس بينهما سوى ساعة واحدة يقطعها المعتمر بالسيارة.. أما الرياض مثلًا فبينها وبين مكة عشر ساعات.. والشىء الثانى أنها تعانق البحر الأحمر وتستقر على شاطئه الشرقى فى موقع أقرب إلى شمال البحر.

 

ولأن هذا هو موقعها السياحى، بخلاف موقعها الدينى بالنسبة لمكة المكرمة، فإن الأستاذ محمد التركى دعا فى ديسمبر قبل الماضى إلى أول مهرجان سينمائى سعودى على أرضها.

 

 

وقد شاء حظها أن تضيف لها الأقدار ميزتين أخريين هذا الشهر.. كانت الأولى أنها استضافت ولا تزال المفاوضات بين الطرفين المتقاتلين فى السودان، ليس فقط للوصول إلى هدنة إنسانية كما حدث فعلًا، وإنما للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار يُنهى هذه الحرب، التى لن يستفيد منها إلا أعداء السودان، ولن يضار منها إلا شعب السودان، ولن يكسب فيها طرف من الطرفين المتحاربين.

 

 

وكانت الميزة الرابعة، وربما الكبرى، أن القمة العربية ٣٢ انعقدت على أرضها يوم الجمعة.. فرغم أن ٣١ قمة سبقت القمة الأخيرة، فإن هذه الأخيرة سوف تظل ترتبط بما يجعلها مختلفة عن سواها من القمم.. ولا يجعلها مختلفة إلا أنها القمة التى شهدت عودة سوريا إلى مقعدها الشاغر فى جامعة الدول العربية، والتى جلس فيها الرئيس بشار الأسد على مقعد بلاده فى الجامعة بين سائر الرؤساء والملوك والأمراء العرب، بعد غياب عن المقعد نفسه لمدة ١٢ سنة.

 

 

وهذا ما لا بد أنه سوف يبقى يميز هذه القمة لأننا إذا كنا نقول إن قمة أنشاص كانت هى القمة العربية الأولى، فسوف نقول لاحقًا بالتوازى إن قمة جدة هى القمة العربية التى عادت فيها سوريا إلى حضنها العربى.

 

 

فى قمة أنشاص مايو ١٩٤٦، كانت الدول الحاضرة سبع دول، وكانت هذه الدول هى مصر والسعودية والعراق وسوريا ولبنان والأردن، ثم اليمن.. وكانت هى الدول السبع التى وقّعت على ميثاق نشأة جامعة الدول العربية قبلها بسنة واحدة.. ومن بعدها صارت الدول السبع ٢٢ دولة، وكادت تكون ٢٣ فى ٢٠١٠ عندما اقترح عمرو موسى، أمين عام الجامعة وقتها، منح تشاد عضوية الجامعة لأن اللغة العربية هى الغالبة فيها، لولا أن سوء الحظ حالف الاقتراح، كما حالف اقتراحات إيجابية أخرى شهدتها قمة تلك السنة.

 

 

ولأن سوريا دولة من بين سبع أسست هذا البيت العربى الكبير، فإن غيابها عنه كان خطأً منذ البداية، ولكن قمة جدة جاءت لتصحح الخطأ وتتداركه.. ومَن يدرى؟!.. ربما تكون هذه العودة هى الهمة التى أحيت أمة.

المقال / سليمان جودة 

المصرى اليوم 

 

التعليقات